[القسم الأول: حقوق الله تعالى]
  وما احتج به الأولون من أنَّا نَجِدُ من أنفسنا صحةَ إرادةِ إكرامِ الغير إن فعل كذا في المستقبل أو إن كان فعل في الماضي، فهو مدفوع بأن التعليقَ للمراد لا للإرادة أما في المستقبل فظاهر، وأما في الماضي فبالتبيُّن أي: إن تبيَّن؛ ولذلك اتفقوا على عدم صحة تعليق نيَّة العبادة بالمستقبل؛ إذ يلزم عدم وجودها في الحال.
  وأما قول بعضهم: إنه لا يجوز الجزمُ بالنيَّة لأنه قبيح فبعيد؛ إذ القبيح إنما هو الاعتقاد [و](١) لاحتمال كونه جهلاً ولا اعتقاد هنا؛ إذ الكلام في الشاك إلا أن يُريدَ بالجزم بالنيَّة الجزم بالْمَنْوِيِّ لكنه خلاف الفرض.
  فرع: لما كانت النية إرادة قصد مؤثِّرة في وقوعِ الفعل على وجهٍ كان الواجب مقارنتها له، لكن اكتُفِيَ في العبادة التي هي مركبةٌ من عدَّةِ أفعالٍ لها هيئة باعتبارها يجمعها اسمٌ واحدٌ كالصلاة والحج والاعتكاف بمقارنة(٢) النية لأوَّلها دفعاً للحرج اللازم من اشتراط المقارنة لكل جزء منها، وكذلك الأفعال المتوالية من جنسٍ واحدٍ ما لم يتخلل بينهما إعراضٌ كالتلاوة والجهاد وذكر الله تعالى بالتسبيح ونحوه.
  فرع: وقد رُخِّصَ لدفع الحرج بالتقدُّم اليسير في الصلاة ونحوها ما لم يُعرِضْ قبل الشروع(٣) وبُولِغَ في هذا الترخيص في الصوم فجاز تقدُّم النيَّة من أول ليلة اليوم؛ وذلك لصعوبة المحافظة على أوله؛ إذ هو لحظةٌ يعظم الحرجُ في مراقبتها مع كونه ليس بفعل من أفعال الجوارح.
  فرع: والتزم هذا التقديمُ في الصوم غير المعيَّن كالكفارة والقضاء؛ لئلا يمضي جزء من الصوم بغير نيَّة.
  واختلف في المعيَّن كرمضان فأوجبه فيه أيضاً كثيرون؛ لذلك ولما ورد من
(١) زيادة في (ج).
(٢) متعلق بـ «اكتفي».
(٣) ما يفسد النية. هامش في (أ).