الضرب الثاني: الأفعال
  الشارع وهو قوله ÷: «لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل»(١).
  وأجازها الحنفية في النصف الأول فقط؛ لأن للأكثر حكم الكل مع كونه متعيِّناً في نفسه كردِّ الوديعةِ، فيكون القياس وما ورد من الشارع كقوله ÷: «ومن لم يأكل فليصم»(٢) قاله في صوم عاشوراء وكان واجباً - مخصصاً لعموم ما احتج به الأولون.
  وأجاز أصحابنا تأخيرَها إلى آخرِ جزءٍ من اليوم لذلك التعيين مع كون ماهيته ليست أفعالاً متغايرةً متعددةً كالصلاة بل شيء واحدٌ راجعٌ إلى النفي وهو كَفُّ النفسِ عن المفطِّرات في جميع اليوم، وإنما يتحقق وجوده بآخر جزء من اليوم فكانت النية في آخره مقارنة له حكماً مع ظاهر ما ورد من السنة(٣).
  فرع: والواجب عندنا تعيين الإمساك بكونه صوماً وبكونه من رمضان ونحوه.
  وقالت الحنفية: لا يجب فيه كونه من رمضان بل ولو نوى المقيم أنه غيره كقضاءٍ أو نفلٍ وقع عنه كما في ردِّ الوديعة، ولهم في المسافر قولان.
  وقال زُفَرُ(٤): لا تجب نيَّةٌ قطُّ لتعيُّنه كردِّ الوديعة.
  ونحن نقول: كونه عبادةً أَوْجَبَ النيَّة في الجملة، وكونه متعيَّناً أسقط التَّبْيِيتَ لما ذكرنا.
(١) روي عن حفصة بنت عمر مرفوعاً وموقوفاً، وأخرجه الترمذي (٧٣٠)، وأبو داود (٢٤٥٤) بلفظ: «من لم يجمع الصيام»، وأخرجه النسائي (٢٣٤٣)، وابن ماجه (١٧٠٠) بنحوه وغيرهم.
(٢) عن سلمة بن الأكوع: أن رسول الله ÷ أمر رجلاً من أسلم: أن أذن في الناس: «أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء» أخرجه البخاري (٢٠٠٧) واللفظ له، ومسلم (١١٣٥) باختلاف يسير، والنسائي.
(٣) وهو حديث عاشوراء المتقدم.
(٤) زفر بن الهذيل بن قيس العنبري التميمي من أصحاب أبي حنيفة، كان فقيهاً محدثاً جمع بين العلم والعبادة وهو أحد العشرة الذين دونوا الكتب، أصله من أصبهان ثم ولي قضاء البصرة، وبها توفي سنة ١٥٨ هـ. انظر الأعلام للزركلي وغيره.