معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

الضرب الثاني: الأفعال

صفحة 96 - الجزء 1

  فرع: ولما شُرع فيها أن يشغل المصلي جميع بدنه بأعمالها كانت الأفعال التي ليست منها منافيةً لها، فإن كانت قلبيَّةً كحديث النفس فهو معفوٌّ، لتعذر الاحتراز من خطرات القلوب، وإن كانت لسانية أبطلت الصلاة لمنافاتها ما هو بصدده من خطاب ملك الملوك.

  وزعم بعضهم أن كلام المصلي جاهلاً غير مفسد وهو بعيد؛ إذ الجهل في مثل ذلك ليس عذراً.

  وبعضهم إلى أن الناسي معذور لا الجاهل كأكل الصائم عند بعض، وهو بعيد أيضاً؛ إذ النسيان تقصير مع الفرق؛ إذ الأكل من طبيعة الإنسان.

  وبعضهم إلى أن سلام المصلي على غيره معفوٌّ؛ إذ هو من الطبيعة كالأكل، وهو بعيد أيضاً؛ إذ هو تقصير في الصلاة التي حقها عدم الذهول، بخلاف الصوم.

  وإن كانت من فعل الجارحة فهي على ثلاثة أضرب:

  ضرب علم كونه كثيراً فيُفْسد لكونه إضراباً عما هو بصدده كالأكل ونحوه.

  وضرب علم كونه قليلاً يتعذر الاحتراز منه عادة فيكون عفواً؛ إذ ليس بإضراب كالالتفات اليسير ومسِّ لحيته ونحوه.

  وضرب التبس حاله فقيل: هو غير مفسد؛ إذ الأصل الصحة، والفساد طارئ يفتقر إلى موجب والأصل عدمه. وقيل: هو مفسد؛ إذ الأصل في الأفعال منافاتُها للصلاة، وكونُها عفواً مخالفٌ للأصل، فيفتقر⁣(⁣١) إلى موجب والأصل عدمه.

  فرع: فعلم أن الفعل الكثير مفسد لأمر يرجع إلى نفسه وهو منافاته الصلاة، فلا يصير عفواً بكونه لإصلاح الصلاة كما ذكره بعضهم؛ إذ لا تقع الصحة بما هو موجب للفساد وإلا لكان واجباً، وقد تقدم ترجيح جَنْبَةِ القُبْح على جَنْبَةِ الوجوب في الكلام في التروك.


(١) أي: العفو.