[تعريف التنازع، وأحكامه]
  وقد اتفق النحويون على أنه يجوز إعمال أحدهما، والراجح عند الكوفيين إعمال الأول؛ لسبقه، فتضمر في الثاني ما يحتاجه، تقول: «ضربني وضربته زيدٌ»، فالأول يطلب «زيدًا» فاعلا، فأعملته ورفعت زيدا، والثاني يطلبه مفعولا، فأضمرت له ضميراً يعمل فيه يعود إلى «زيد» وتقول: «ضَرَبْتُ وضرباني الزيدين»، فالأول يطلب الزيدين مفعولا، فأعملته ونصبت الزيدين بالياء، والثاني يطلبهما فاعلا، فأضمرت فيه ضميراً يعود إليهما. وإنما جاز أن يعود الضمير من متقدم إلى متأخر لأنه متقدم في اللفظ لا في الرتبة؛ لأن حق المعمول أن يكون بعد عامله، فكأنك قلت في المثال الأول: «ضربني زيد وضربته»، وكذا في الثاني.
  والراجح عند البصريين إعمال الثاني؛ لقربه، لكن لا يصح أن تضمر في الأول إلا الفاعل فقط؛ لأنه يلزم عود الضمير إلى متأخر لفظاً ورتبة، وهو لا يجوز.
  وإنما اغتفر في الفاعل لأنه عمدة لا يتم الكلام بدونه، تقول: «ضرباني وضربت الزيدين»، فأضمرت في الأول، وأعملت الثاني، قال الشاعر:
  ٢٩ - جَفَوْني ولمْ أَجْفُ الأخِلاَّءَ إنني ... لغيرِ جميلٍ مِنْ خَلِيْلَيَّ مُهمِلُ(١)
(١) اللغة والمعنى: الجفاء: أن تفعل بغيرك ما يسوءه أن تترك مودته، وتقول: جفاه يجفوه جفاء وجفوة. الأخلاء: جمع خليل، وهو كالصديق وزنا ومعنى. جميل: الشيء الحسن، من الجمال، وهو الحسن، مهمل: اسم فاعل من الإهمال وفعله أهمل، يقال: أهملت الشيء، إذا خليت بينه وبين نفسه. يقول الشاعر: إن الأصدقاء لم يلتزموا واجب الصداقة من البر والوفاء وعدم تتبع هفوات الصديق، أما أنا فقد التزمت برهم، ولم أنظر إلا للحسن من أفعالهم.
الإعراب: جفوني: فعل ماض، والواو في محل رفع فاعل، والنون للوقاية، والياء في محل نصب مفعول به. ولم: الواو حرف عطف، ولم حرف جزم ونفي. أجف: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة الواو. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا. الأخلاء: مفعول به لأجفُ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. إنني: إن حرف توكيد ونصب، والنون للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب اسمها لغير: جار ومجرور. وغير مضاف وجميل: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. من خليلي: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لجميل، وخليل مضاف والياء في محل جر مضاف إليه. مهمل: خبر إن مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: قوله: «جفوني ولم أجف الأخلاء» حيث أعمل الثاني - وهو «لم أجف» - في «الأخلاء» فنصبه على أنه مفعول به، وأعمل الأول وهو «جفوني» في ضميره، وهو واو الجماعة.