معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 100 - الجزء 1

باب إمامة الصلاة

  الجماعة في الصلاة من صفاتها المسنونة على سبيل التأكيد، وفي شرعيتها إيماء الاستحباب⁣(⁣١) الاجتماع في الطاعات لما فيه من تزايد الهمم وانتعاش النفوس الكسلى وتحرك الغَيْرة لا سيما موطنٌ يطلبون فيه من ملك الملوك قضاء الحاجات، وفكَّ الرقاب من التبعات، متظافرة⁣(⁣٢) قلوبهم بالإخبات وألسنتهم بالذكر، وأجسامهم بالخضوع، مقدِّمين أمامهم مكلِّماً في شأنهم إلى سيدهم، وشفيعاً لهم في قضاء مآربهم، وأن يقبل منهم ما قَدِمُوا به من ذلك العمل المطلوب منهم.

  فرع: ومن ثَمَّ عظُمت الفضيلة بكثرة الجماعة؛ لعظم الموقع، وعسى أن يكون فيهم من لا يُرَدُّ، وكُره تفريق الجماعات لما فيه من تفويت المقصود من الاجتماع، وفتح أبواب الشحناء بين الأئمة.

  فرع: ولذلك أيضاً شُرع أن يكون الإمام أعلمَهم بما قُدِّمَ له، وما ينبغي أن يفعل وأن يترك، وبما به يكون المطلوبُ أقربَ إلى الانقضاء والنجاح مع كونه أهلاً لما قُدِّمَ له؛ لعظم المنزلة عند الله قريب الدرجة إليه؛ إذ هو واسطتهم الذي ناطوا به حوائجهم، وعقدوا بشفاعته مآربهم.

  فرع: وقد عُلم من هذه المناسبات وجه اشتراط أن يكون الإمام فقيهاً، وأن الأولى هو الأفقه، وقد منع بعضهم إمامةَ من لا يعلم فرائضَ الصلاة وشرائطَها وما يفسدها قال: ولو جاء بها على الكمال على سبيل الاتفاق، وعلم أيضاً اشتراط أن يكون عدلاً، وأن الأولى بعد الأفقه هو الأورع، ثم الأقرأ لكتاب الله؛ إذ هو أحسنهم خطاباً.

  فرع: وعلم أيضاً أن الواجب تمييزه في الموقف، وأن يكونوا من خلفه


(١) في (ب، ج): «إيماء إلى استحباب».

(٢) في (نخ) من هامش (أ): متظاهرة.