معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

الضرب الثاني: الأفعال

صفحة 129 - الجزء 1

  لكن يبقى محصراً به حتى يتحلل منه، والقياس الخفي يقع عن الأولى؛ لأن الأعمال قد صارت متعينة لها بالإحرام فأشبهت الوديعة ونحوها مما لا تؤثر فيها النية، وهو نظير ما تقدم في صوم متعين كصوم⁣(⁣١) رمضان، والقياس الخفي هنا أقوى تأثيراً فكان المعتمد.

  فرع: فأما من أحرم بحجتين ثم مضى فيهما معاً لم يقع عن واحدة منهما؛ لعدم الصلاحية⁣(⁣٢) لهما معاً، وبخلاف ما لو طاف للوداع مَنْ عليه طواف الزيارة فإنه يقع عما نواه لعدم تعيَّن العمل لطواف الزيارة.

  وقال بعض أصحابنا: بل قد تعيَّن له فيقع عنه حتى لو طاف بعده⁣(⁣٣) طواف الزيارة وقع عنه، والأول أظهر.

  مسألة: ويتميز الحج عن سائر العبادات بأمور أربعة⁣(⁣٤):

  الأول: صحة الاستنابة كما تقدم، ويشاركه في ذلك الاعتكاف؛ لشبهه به.

  الثاني: كون مصاحبة المعصية لبعض أفعاله لا تفسده كما ذكرنا في الطواف على جَمَلٍ مغصوب، والوقوف مع المطالبة بردِّ الوديعة أو قضاء الدين، وذلك مخصوص بالشرع.

  فإن قيل: فساد الطاعة بكونها متضمِّنةً لمعصية حكمٌ عقليٌّ، فكيف يصح تخصيصه بالشرع والحكم العقلي لا يقبل تخصيصاً ولا نسخاً؟

  قلنا: معنى التخصيص هنا: إسقاط وجوبه عن العبد لا مصيره طاعةً.

  والثالث: أنه يلزم بالشروع، والعلة فيه مأخوذة من وجه شرعيته، فإنه لما كان الإحرام إجابة لدعوة الله وبلبس شعار⁣(⁣٥) الانقياد له جرى مجرى الالتزام بما


(١) حيث صرف بعد النية فإنه لا يصح الصرف بل يبقى الأول. هامش (أ، ب، ج).

(٢) في (ب، ج): الصلوحية.

(٣) شكل عليه في (أ).

(٤) صوابه: خمسة.

(٥) في (ب): «وتلبُّسًا بشعائر». وفي (ج): «وتلبسًا بشعار».