الضرب الثاني: الأفعال
  أما أرباب الأموال فلئلا يُفْسدوا أعمالَهم بطلب الاستعلاء والترفُّعِ بالإعطاء، وأما الفقراء فلئلا يُذِلُّوا أنفسهم بخضوع الاحتياج وذل الاستعطاء، وقد أعزهم الله بالإيمان ونهى المؤمن أن يُذِلَّ نفسه.
  وثانيهما: أن الله تعالى لما شرع الإمامة لعلمه بحاجة الأمة إلى من ينظم أمرها، ويحفظ قواعد دينها، ويكفُّ ظالمها، وينصر ضعيفها، ويَسُدُّ فاقة فقرائها وأولي حاجتها، وذلك لا يتم له إلا بالأموال يَسُدُّ بها الثغور، ويدفع بها الحاجات - جعل في أموال الأمة جزءاً مسلَّماً إليه، يصرفه في هذه الأمور التي تصل إلى كل أحدٍ حِصَّته من نفعها، وبها تحتفظ الأرواح والأموال، وصار ذلك نظيرَ ما اعتبره الشارع من صرف بعض الوقف في إصلاح باقيه(١)، وبهذه الحكمة صارت(٢) مصارف الزكاة مشتملة على جميع ما يحتاج الإمام إلى الإنفاق فيه.
  وأما النص فمن القرآن آية الصدقات، فإنَّ جَعْلَ العاملِ من المصارف يتوقف(٣) على كون أمر استيفائها إلى الإمام؛ إذ هو الذي يبعث السُّعاة والعمال.
  وأيضاً جَعْل المؤلَّف منها يستلزم ذلك؛ إذ لا يجوز التأليف لغير الإمام.
  ومنه قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة ١٠٣]؛ إذ الإمام قائم مقام الرسول ÷.
  ومن السنة قوله ÷: «أربعة إلى الولاة»(٤) وغير ذلك، وفعله ÷.
  والإجماع منعقد على ذلك في الجملة.
  فرع: فعلم أن ولايتها إلى الإمام ظاهرةً وباطنةً، لا كما قاله الشافعي، وحيث لا تنفذ أوامره لا كما حكي عن بعض أصحابنا؛ إذ لا يصح(٥) تمردهم مسقطاً
(١) في (ب، ج): «ما فيه».
(٢) في (ب، ج): «كانت».
(٣) في (ب، ج): «متوقف».
(٤) تمامه: «الجمعة والفيء والحدود والصدقات» رواه في الشفاء، قال ابن حجر: لم أره مرفوعاً. وللعلامة السماوي | بحث نفيس في كتابه الغطمطم عن هذه الرواية.
(٥) في (ب، ج): لا يصلح.