المؤلف واهتمامه بالعلم
  واليمنيين عند عودته لبلاده فقدم للعلماء وطلاب العلوم مائدة سنية ووجبة نحوية هنية، لا غنى لمثلهم عن مثلها، فهذه الهمة السامية والحس الصادق.
  ثم ها هو تراه على السفينة في طريق عودته إلى اليمن يؤلف كتاباً ليشغل وقته بإبراز ما جمعه وإخراج ما حصله، فقد آن الوقت لحصاد ما زرع من طلبه العلم وهجرته؛ فقد أصبحت حدائقه مثمرة وثماره يانعة.
  ولأنه قد عرف ثقافات شتى وخالط مجتمعات عدة وحضارات متنوعة - استحقب من هذا وذاك علماً جماً وعقلاً نيراً، أفرزت منه شخصية فذة، وجعلته موسوعة علمية، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فها هو يؤلف على السفينة لا يهوله رهب البحر، ولا تفزعه أصوات الرياح العاصفة، ولا تشغله زمجرة الأمواج العاتية، بل كان همه القلم والقرطاس، فألَّف وصنف كتاباً يحتاج إلى صفاء ذهن وهدوء بال وانشراح صدر وفراغ من الأشغال، ويحتاج أيضاً إلى المراجع والمصادر ليرجع إليها عند الحاجة؛ روى ابن أبي الرجال في مطلع البدور عن تلميذ المؤلف المرتضى بن قاسم عن المؤلف قوله: صنفت شرح مقدمة (البحر) في سفري قافلاً من مصر. اهـ
  ولله القائل:
  وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام
  ولما طالت مدة إقامته بمصر وشوقه للوطن وفراقه للأهل والأحباب كتب في سنة ٨٥٣ هـ إلى والده شعراً وهي سنة عودته إلى اليمن:
  بشاطئ حوث من ديار بني حرب ... لقلبي أشجان معذبة قلبي(١)
  فهل لي إلى تلك المنازل عودة ... ليفرج عن همي ويفرج عن كربي
  ومما كتبه إلى والده أيضاً قوله:
(١) هذا البيت لنشوان الحميري، وإنما تمثل به المؤلف أو ابتدأ به قصيدته.