[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]
  المكرَه عند جماعة؛ لمصيره له كالآلة، وعلى الفاعل عند بعض؛ لأنه فَعَلَه مع اختيارٍ مَّا لَه(١) فيه، لكن له الرجوع على المكرِه؛ لأنه غرمٌ لزمه بسببه، وليس له طلبه قبل الغرامة أو الحكم بالضمان.
  وقال الشافعي: إن كان مما يستباح بالإكراه فكالقول الأول؛ إذ هو غير متعدٍّ، وإلا فكالثاني؛ للتعدي.
  الضرب الثاني: غير مُعْدِمٍ للاختيار بل مُغَيِّر له فقط ومعناه: أنه لولا ذلك لاختار غيره(٢) ذلك الفعل، وهذا معنى قولهم: إنه يخرج عن حدِّ الاختيار، وحكمه في الأقوال حكم الضرب الأول.
  وأما الأفعال فإن كانت مقرِّرةً للأقوال كقبض المبيع، أو نائبةً عنها كقبض الصدقة والهدية والوديعة فحكمها حكمها، وإن كانت غيرها فلا حكم لهذا الضرب فيها؛ إذ لا يستباح شيء منها به، وإن أسقط الحد فيما(٣) توجبه؛ إذ هو يسقط بالشبهة كما يسقط به القود.
  فرع: وقد علم أن الإكراه الذي حكمه ما ذكرنا هو ما كان بفعل قادرٍ متعدٍّ، فإن كان غير متعدٍّ كالحاكم يُجْبِرُ المدين على بيع ماله للقضاء، والْمُوْلي على الطلاق، والموقع تطليقة مجهولة على الرجعة أو الطلاق، فإنه يصح، وكذا لو تغيَّر الاختيار بعارضٍ غير الإكراه، كما لو وهب رغبةً في المدح، أو طلَّق زوجته وقد طلبت منه الطلاق كي لا يُنْسَب إلى المحبَّة؛ إذ لا إكراه.
  فرع: فإن فعل شيء من ذلك خشية الذم المؤثر في حقه كان مُكْرَهاً كما نبه عليه الشارع، وسواء كان الذم من المفعول له ذلك الفعل أو من غيره، وحصول الظنِّ للذم أو الضرر في جميع ما تقدم كافٍ في مصير الفاعل مكرَهاً، ولا يخفى تفريع حكم ما يُعْطَى الشاعر والخاتن ونحوهما مما ذكرنا.
(١) في (ب): «حاله».
(٢) في (ب، ج): «غير».
(٣) في (ب): «مما».