معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 194 - الجزء 1

البحث الثالث: في تقسيمها

  وحقوق العباد ثلاثة أنواع: أعيان، ومنافع، وحقوق مجردة، ولكل منها سبب تنسب إليه ويوجب استحقاقه، ونحن نقسمها بحسب أسبابها فنقول:

  أسباب حقوق الآدميين سماوية وغيرها، وغير السماوية أقوال وأفعال، فتلك ثلاثة أقسام، سنذكر في كل قسم منها ما يختص به من الخواص والأحكام، مستوفين لضروبها وأبوابها، ذاكرين في كل باب ما يقتضي النظر ذكره إن شاء الله تعالى بمعونة الله وإمداده.

القسم الأول: الأسباب السماوية

  وهي موجبة لأحكامها بطريق الأصالة؛ لمناسبة معقولة وهي ضروب:

[الموت]

  فمنها الموت وهو سبب ملك الورثة للتركة من أي الأنواع الثلاثة كانت، وهي بطريق النقل عندنا، لا بطريق الخلافة كما سنحققه إن شاء الله تعالى.

  وإنما شرعت سببيته رعاية لمصلحة الميت، وهي الصلة لأقاربه وقت استغنائه بالموت؛ إذ هو أولى من أن يحويه الأجانب، ومناسبة اقتضاء القرابة لهذه الصلة معقولة وكانت مشروعة أولاً بالوصية، ثم نسخت بالميراث.

  فرع: ولذلك إذا عدِمت القرابة التي يُستحق بها الميراث وصار الناس في حقه على سواء صرف ماله في المصالح العامة؛ لاستواء الناس في الاشتراك فيها، ومن ثَمَّ كان بيت المال وارثاً حقيقة عند بعضهم، وكان أولى من ذوي الأرحام؛ لأن العصبة مقطوع بوجودهم في نفس الأمر.

  وإنما كان الناس فيه على سواء للالتباس، ومن هاهنا قال بعضهم: إذا علم أن بعض الناس أقرب إليه نسباً كان أولى، وإن جهل تدريج نسبه؛ لحصول ما يُستحق به الميراث.

  فرع: ولكون الإرث شرع صلة لم يثبت بين المؤمن والكافر؛ لانقطاع الوصلة