معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 220 - الجزء 1

  من حكم حاكم يقطع الخلاف، ويُلزمُهما معاً مذهبَه، وإن لم يكن ثَمَّ تنازع، فإما أن تكون علة التحريم أو نحوه عند المانع وصفاً مستقراً في الذات، أو أمراً نسبياً متعلقاً به، فهذان قسمان لا ثالث لهما.

  إن كان الأول حَرُمَ على من يرى التحريم، سواء كان آخذاً أو معطياً وذلك كبيع أم الولد، والمثلث، والكلب، وزِِبْل ما لا يؤكل، وأرض مكة، ونحوها، وتمليك ما لا تصح هبتُه منها، وتأجير ما لا يصح تأجيره، فإن علَّة المنع في هذه وصفٌ مستقر فيها قائم عند المحرِّم، فلذلك حرُم عليه مطلقاً، ومن هذا القسم الصيد حيث تبايع فيه مُحْرِمٌ وحلال؛ إذ العلة كونه صيداً.

  وأما الآخر وهو المبيح فما لا يملكه المحرِّم في مذهبه يجوز له أخذه هبةً وبيعاً وغيرهما، وليس ذلك بيعاً وهبة في الحقيقة، وإنما هو تَوَصُّلٌ إلى الانتفاع بتلك العين التي مذهبه جواز الانتفاع بها، وذلك كالمثلث وأرض مكة ونحوهما⁣(⁣١).

  وأما ما يملك كأم الولد والكلب ونحوهما فما يجوز نقله عن الملك كالكلب ونجس الذات، تجوز هبته وكذا شراؤه عند بعضٍ، وليس شراءً حقيقياً بل توصُّلاً إلى الانتفاع كما قلنا في الذي قبله.

  وما لا يصح نقله كأم الولد والمدبر، لا يجوز ممن يرى الإباحة بائعاً كان أو مشترياً أو واهباً أو متهباً.

  وإن كان علة التحريم أمراً نسبياً كما ذكرنا حَرُم على من مذهبه التحريم، حيث كان معطياً أو في حكمه فقط، لا إن كان آخذاً أو في حكمه، وذلك كبيع ما لم يُقْبَضْ، وما فيه⁣(⁣٢) زكاة أو خمس، وما ملكه بعقد رباً مختَلَفٍ فيه، فهذه ونحوها يجوز المعاملة فيها من الطرفين، حيث كان مذهب مَنْ هي في يده عدمَ المنع كبيع الشافعي الخضراوات من غيره، وبيع مَنْ يقول إن الزكاة تعلق بالذمة


(١) الصيد.

(٢) في (ب، ج): «وما في عينه».