معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 260 - الجزء 1

  التبرعات؛ لعدم البدل، ولا فيما عوضه غير مال؛ لذلك، ولا فيما جُهل ثمنه؛ لتعذر تسليمه، ولا في البيع الفاسد؛ إذ لم يُملك بالثمن، ولا لمعسر؛ لعدم تمكنه من البدل، وبهذا علم أن الإعسار مبطل لها، كما هو الأصح.

  فرع: ولكون سببها العقد لم يصح إسقاطها قبله، وصح بعده، ولو كان جاهلاً لوقوعه، وجاز التحيل لسقوطها قبله، كتمليك المشتري جزءاً مشاعاً، وحاله كذلك، لا بعده كخلط الثمن المجهول القَدْر أو استهلاكه؛ لأن فيه إسقاط حق قد ثبت بالعقد، وذلك⁣(⁣١) مانع من التصرف في الملك، كما لا يجوز وطء الزوجة في مسألة الربيب⁣(⁣٢)، وحيث علق عتق عبده بكونها حاملاً، مع أن الحق مجوَّز في هاتين المسألتين، ومقطوع به في مسألتنا.

  فرع: ولكونها شرعت رعاية لحق الجار كان الأولى بها الأخصَّ جواراً وهو الخليط في نفس المبيع، ثم الشريك في حقه الذي يكثر فيه بَغْيُ بعض الخلطاء على بعض عادةً وهو الشِّرب، ثم الذي دونه وهو الطريق، ثم الذي دونه وهو الملاصق، فإن له حقاً، كما أشار إليه الشارع⁣(⁣٣)؛ للعلة المذكورة، خلافاً للشافعي.

  فرع: ولكون الشِّركة شرطاً في معنى العلة؛ لمناسبتها للحكم، وكونها باعثة عليه، اشترط حصولها وقت العقد، وسقطت الشفعة بزوالها قبل الحكم بها، واستوى الشريكان في المشفوع، ولو تفاضل ملكُهما، خلافاً للشافعي بناء منه على أنها حق للمشفوع به فتتبعه في التفاضل، وهي عندنا حق للشريك بسبب الشُّركة، فيستوي قليلها وكثيرها، لا للمال.


(١) أي: إسقاط الحق.

(٢) وهي إذا مات الربيب وله مال أو دية ولا يوجد مسقط للإخوة لأم أو لا حاجب للأم وجب على الزوج إن كان قد وطئها وجوّز الحمل الكف عن جماعها حتى يبين الحمل لأجل ميراث الحمل أو حجب الأم أو عدم ذلك، وهذه تسمى مسألة أم الفصول السبعة.

(٣) عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله ÷: «الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً»، أخرجه أبو داود (٣٥١٨)، والترمذي (١٣٦٩)، وفي رواية البخاري عن أبي رافع: «الجار أحق بصقبه». (٦٩٧٨)، وفي رواية له أخرى: «بسقبه».