الضرب الثاني: الأفعال
  فرع: فعلم أن أصل شرعية المهر على وجه التبعية للبُضع إظهاراً لشرف النكاح، وأنه لا ينبغي التبرع [به](١) لأن ما كثرت قيوده عزَّ وجوده، فلذلك جعل حَدُّه في الكثرة إلينا، وأما في القلة فلا ينقص عن عشرة دراهم عند الأكثر؛ لأنها قد اعتبرت في بعض أعضاء الإنسان وهو اليد في السرقة، وكان النقصان مما لا نظير له.
  فإذا عقدا على أقل من عشرة وُفِّيَتْ العشرة فقط؛ لأن في التسمية شبهة الصحة لذكر البدلين معاً، بخلاف ما إذا سمى ما لا قيمة له، أو لم يسمِّ شيئاً فإنه يرجع إلى المثل كما تقدم.
  فرع: فصار المهر حقاً للزوج من جهة ابتدائه، وحقاً للزوجة من جهة بقائه، منزلاً منزلة ثمن المبيع، فللجهة الأولى لَزِمَ وإن لم يذكر، كما نبه عليه الشارع(٢)، كاستلزام المبيع حقوقَه، وإن لم تُذكر، واستَحَّقت الزوجة كل ما سمى لها في العقد، ولو شُرط لغيرها، ومن ثَمَّ لم يصح نكاح العبد بغير إذن سيده؛ إذ لا يملك المال فيصير المال غيرَ مقابَل بمالٍ، ولم يصح نكاح السيد لأمته، وبطل النكاح بطروِّ الملك؛ لتعذر معاوضة الإنسان لنفسه.
  فإذا أمهر سيدُ العبد زوجتَه الحرَّة رقبته لم ينعقد النكاح للتنافي(٣)؛ لتقارن(٤) الانعقاد والانفساخ، لا(٥) إن كانت مملوكة، فيصح ويملكها(٦) سيد الأمة، وإنما صح أن ينكح عبدَه أمتَه؛ لأن ذمة العبد صالحة، وقد تقوَّتْ بإذن السيد كما مر في موضعه.
(١) زيادة في (ب).
(٢) بقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة: ٢٣٦]، وفعله ÷ حيث زوج امرأة رجلاً ولم يفرض لها صداقاً. (بحر).
(٣) إذ يصير العبد طالباً مطالباً حاكماً محكوماً عليه والله أعلم. هامش (أ).
(٤) في (أ): «ليفارق».
(٥) في (ج): «إلا».
(٦) في (ب، ج): «ويملكه» تظنينًا.