[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]
  فرع: ولما كان المُسْقَط هو الحق الثابت بالنكاح، وقد تقدم أنه حقٌّ لله في الأصل، كان الطلاق مكروهاً، كما نبه عليه الشارع(١)؛ ولذلك شرعت الحرمة بالتثليث زجراً عنه، ووجب إيقاعه للسُّنة، لكي يَصْدُرَ عن تثبُّتٍ وكمال نظر. واشترط فيه كونه في طُهْر لم يجامعها فيه، ولا في الحيضة التي قبله؛ لأن إيقاعه مع التمكن من الوطء عند الحاجة مظنة اختيار الأصلح، ونُهِيَ عن العجلة في الطلاق. كما أشار إليه الشارع(٢). وشرعت الرجعة تلافياً للحق الساقط، وجعل نصاب البينونة ثلاثاً؛ لأنه عَدَدٌ قد شرع للتروِّي والنظر كما في الاستتابة، والشفعة وغيرهما.
  فرع: ولما كان حق الله أصلاً في النكاح، وحق العبد تابعاً، كما تقدم، كان الطلاق على العكس، فلذلك صح التبرع به، كما في سائر الإسقاطات. فلم يكن لخروج البضع قيمة عندنا، خلافاً للشافعي.
  فرع: فإذا طلَّق على مال الغير ولم يُجِزْ، أو على ما ظنَّه مالاً، ولا تغرير منها، فانكشف خلافه، وجب في الأول قيمته، وفي الثاني يقع رجعياً، فلا يرجع فيهما إلى قيمة البضع، وهو مهر المثل، خلافاً للشافعي.
  وإذا كان منها تغرير في المسألة الثانية رجع إليه؛ لأن ذلك جناية منها فوَّتت بها عليه حقاً متقوّماً شرعاً لا يملِك الرجوع فيه تلزمها(٣) قيمته.
  فرع: ولما كان المعقود عليه هنا وهو إسقاط الحق ليس بمال ولا شبيهاً به، ضعفت فيه المعاوضة، فيصح القبول في مجلس العلم بالإيجاب، وقَبِلَ العوضُ الجهالةَ الكلية، ولزم من الجنس أوْكَسُه(٤)؛ إذ ما فوقه مشكوك فيه، ولا مقتضى له،
(١) تقدم ما يدل عليه.
(٢) بنحو حديث أخرجه في كنز العمال (٢٧٨٧٣) عن أبي موسى: «تزوجوا ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين والذواقات».
(٣) في (ب): «فيلزمها»، وفي (ج): «فلزمها».
(٤) أي: أدناه.