معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 330 - الجزء 1

  وصحت وصايته فيما لا يملك الموصي التصرف فيه في الحال، بخلاف الوكيل في جميع هذه الأحكام.

  فرع: ولشائبة الوكالة افتقرت إلى القبول أو الامتثال ولو على التراخي، وتعلقت به وبوارثه الحقوق في البيع والإجارة وما في حكمهما على ما مر، وصح الدخول فيها بالأجرة، وكان له أن يعزل نفسه بعد القبول في وجه الموصي، وكان للأصل عزله مطلقاً، وصحت مقيَّدة ومؤقتة، ولم تصح في معصية. فهي كالوكالة في هذه الأحكام، وقد تقدم في فصل الصغر شيء من ذلك.

باب العتق

  هو ارتفاع الملك المستلزم لارتفاع الرقِّ، والرقُّ: صفة للمملوك بها صار مالاً متقوّماً عادماً لكمال الأهلية البشرية كما مر. شُرع في الأصل جزاءً على الكفر بما هو مناسب لحال الكافر؛ لأنه بتعاميه عن آيات الله أشبه عُجْم الحيوانات، وأدخل نفسه في أعدادها؛ ولذلك شبههم الله بالأنعام، وضرب لهم مثلاً الكلب والحمار، ووصفهم بفقد العقول والألباب.

  فرع: فعلم من عُروضه عقوبةً أنه في الابتداء حقٌّ لله تعالى، وحقُّ العباد تابعٌ وهو الملك؛ إذ هو لازمه، فلذلك لم يملكوا إثباته ابتداء، فلم يصح تمليكُ الحرِّ نفسَه ولا ولدَه ولو رضي، وأنه في البقاء حقٌّ لهم وحقُّ الله تابعٌ؛ إذ هو بالنظر إلى الأصل فقط، فلذلك ملكوا رفعه، وثبت بعد زوال الكفر، ولم يصح دعواه حِسْبَةً.

  فرع: وتصرفُ العباد إنما هو في حقهم وهو الملك: إما بنقله إلى مالك معين بالبيع ونحوه، أو غير معين بالوقف على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، فتتغير نِسْبَتُه مع بقاء الرق بحاله، وإما بالرفع كالعتق وما في معناه، فيرتفع الرق حينئذ؛ لارتفاع الملزوم بارتفاع لازمه.

  فرع: وإنما كان لهم رفع الملك بخلاف ملك سائر الأعيان؛ لأنه هنا عارض كما ذكرنا، ففي إزالته رجوعُ الآدميِّ إلى أصله من كمال الأهلية البشرية؛ ولذلك كان العتق قويَّ النفوذ، بخلاف ما سوى الأرقَّاء من المملوكات فإنها خلقت