معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 331 - الجزء 1

  للتمليك، كما أشار إليه الشارع⁣(⁣١)، فلم يكن إلى رفع الملك فيها مع بقائها سبيل.

  فرع: ولكون العتق رجوعاً إلى الأصل من كمال الأهلية، واستيفاء وظائف التكليف كان قويَّ النفوذ، وكان حقاً للعبد، وفيه حق لله تعالى، فلقوَّة نفوذه نفذ من المريض المستغرَق حيث نجَّزه، لا حيث أضافه إلى بعد الموت لتعلق حق الغرماء به، وقُدِّم على البيع حيث وقعا من فضوليين وأجازهما المالك معاً، على ما مر.

  ولكونه حقاً للعبد من حيث إنه إسقاط حق السيد عتق حيث التبس بحُرٍّ؛ لأنه التبس مَن الحق عليه، وإنما وجبت السعاية رعاية لحق السيد بالنص، وهي مخالفة للقياس؛ إذ فيها تحويل على مَنْ عليه الحق، وقد شرط بعضهم: أن لا يكون الالتباس بتقصير المالك، وهو القياس؛ إذ هو حينئذ مُسْقِطٌ لحقه باختياره.

  ولكون فيه حق لله تعالى صح دعواه حِسْبَةً وصلح للقربة، وقام مقام العبادة المالية في الكفارات والزكاة عند بعض أصحابنا، ووقعت خَلَفاً عنه العبادةُ البدنية في كفارة اليمين.

  فرع: وقد علم أن الملك ثلاثة أنواع:

  نوع يملِك العبدُ رفعَه ونقلَه وليس إلا ملك الأرقَّاء.

  ونوع يملك رفعه لا نقله وليس إلا ملك البُضع.

  ونوع يملك نقله لا رفعه وهو ما عداهما.

  فرع: ولما كان الرق في الأصل في مقابلة الكفر، وهو حكم شرعي لا يقبل التجزؤ، كان الرق كذلك، بخلاف لازمه الذي هو الملك؛ لأن المقصود بشرعيته اتساع التصرف، وهو يقبل القِلَّة والكثرة، فإذا أعتق مالكُ البعض⁣(⁣٢) حصتَه ارتفع حصته من الملك، فلزم ارتفاع الرق؛ لانتفاء الملزوم بانتفاء جزء لازمه؛ لأن جزء اللازم لازمٌ، ولانتفاء المركب بانتفاء جزئه.


(١) بنحو قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}⁣[البقرة: ٢٩].

(٢) في (ب): «البضع».