معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

الضرب الثاني: الأفعال

صفحة 351 - الجزء 1

  فرع: ولتعلق حق المرتهن به صارت تصرفات المالك ولو إعارة أو إجارة موقوفةً على إذن المرتهن، أو فكِّ الرهن كما في تصرفات المحجور بالدَّين، إلا العتق عند بعض أصحابنا؛ لقوة نفوذه، فيُجْبَرُ السيدُ على القضاء أو إبدال الرهن، فإن أعسر سعى العبد ورجع عليه؛ إذ قد صار حراً، وكان المرتهن أولى بالسلعة من سائر أهل الديون حيث أَفْلَسَ المالك، وقُدِّم على ما يحتاج إليه حيث مات ولا مال له سواها، وشارك أهلَ دَيْنِ الجناية حيث كان الرهن عبداً جانياً، فيُباع للمرتهن حيث أعسر سيده مع بيان عَيْبِه ويتبعه المجني عليه، فإن كان موسراً أُجْبِرَ على الإبدال أو القضاء، واستبد المجنيُّ عليه بالعبد وفاء بالحقين في الصورتين، وسواء تقدم حق المرتهن أو المجني عليه.

  فرع: ولما كان حق المرتهن في الرهن ضعيفاً غير مستقل، ووقع مقصوداً غير تابع، اشترط قبضه كله الذي هو العين، كما أشار إليه الشارع⁣(⁣١)، حتى صار القبض جزءاً من العلة، كما اشترط جماعة في الهبة القبض؛ لضعف المعاوضة فيها إلا أن الحق في الهبة لما كان مستقلاً كان القبض شرطاً في ابتداء الحكم لا في بقائه، وفي الرهن هو غير مستقل فكان شرطاً في بقائه وابتدائه.

  فرع: ولكون القبض هنا جزء علة كما ذكرنا، لا شرطاً حقيقياً، كان المعتبر حقيقته، فلم تقم التخلية مقامه، ولم يصح رهن الدَّين ولا المشاع، والنابت دون المنبِت والعكس، والأصل دون الفرع والعكس، والمنافع لعدم كمال قبضها، ولم يصح رهن المؤجر مع بقاء الإجارة؛ لمصير القبض حقاً للمستأجِر، ولا رهن الأمة المزوجة من غير زوجها أو سيده؛ لذلك، ويصح رهنها منهما؛ لإمكان اجتماع حكمي الرهن والنكاح، كما يصح إنكاح المرهونة من المرتهن ومن غيره بإذنه، بخلاف الإجارة لتنافي الحكمين، ولذلك لا يصح رهن العين المعمول فيها من الأجير المشترك في الأجرة، وأما في غيرها فيصح، وتنفسخ الإجارة


(١) بنحو قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}⁣[البقرة: ٢٨٣].