معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

الضرب الثاني: الأفعال

صفحة 392 - الجزء 1

  إلا، ولذلك إذا وقعت الدعوى ثم ثبت الحق لم يكن للحاكم إلزام التسليم إلا بعد طلب المالك على الأصح.

  فرع: وقد علم بما ذكرنا أنه لا يصح إسقاط المطالبة لتجدد سببها؛ إذ استمرار السبب جار مجرى تجدده كما تقدم مراراً، ومن ثَمَّ لم يصح التأجيل بالقرض والأرش ونحوهما مما لا يستند إلى عقد، بخلاف ما استند إليه كالثمن والأجرة ونحوهما؛ إذ سببه العقد كما تقدم تحقيقه.

  فرع: ولما كان المدعى عليه متمسِّكاً بالأصل الذي هو الظاهر كان القول قوله، لكن لما جاز كون⁣(⁣١) الباطن على خلاف الظاهر احتاج في تقرير قوله إلى إشهاد الله العالم بالبواطن عليه وذلك باليمين.

  فرع: فإن نكل عن اليمين كان ذلك النكول حجة عليه بمنزلة الإقرار؛ إذ هو سكوت في موضع الحاجة، وفي الحكم عليه به حمل له على السلامة، وهو أنه ما تأخر عن اليمين مع كونها حقاً واجباً عليه إلا لعلمه بأنها غموس.

  وفي كلام أصحابنا أن النكول كالبينة وثمرة ذلك لو تداعيا ما لا يد عليه فنكلا فنصفان إن جعلناه كالبينة، ولا شيء لهما إن جعلناه كالإقرار.

  فرع: ولكون النكول حجة بدلية لم يُعمل بها في الحدود لما تقدم، قيل: ولا في النسب لضعف حجته وعظم النسب، ولذلك لم يثبت بالإقرار إلا بين الولد والوالد، ونفى كثيرون حجيته مطلقاً.

  فرع: ولما كان المدعي طالباً لغير الظاهر كان ذلك مظنة تيقنه لاستحقاقه، فإذا ردَّ الخصم عليه اليمين وجبت عليه، فإن نكل عنها حكم عليه على ما تقدم سواء فلذلك إذا جاء بالدعوى على وجه التهمة من غير قطع بأن يكون سبب الحق فعل غيره لم تُرَدَّ عليه اليمين حينئذ.


(١) في (ب، ج): كان.