معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[المقدمة]

صفحة 41 - الجزء 1

  من أحكامهما⁣(⁣١) وإنما يكون تابعاً لأبويه أو للدار، وهذا معنى قول أصحابنا: لا يصح إسلامه ولا ردته، لا كما قاله بعضهم⁣(⁣٢): إنه يصح إسلامه لا رِدَّته، ولا كما تقوله الحنفية: إنهما يصحان منه؛ لأنهم إن عَنَوْا فيما بينه وبين الله تعالى فقط فهو الذي نقوله، وإن عَنَوْا في الأحكام الشرعية فغير صحيح لرفع القلم كما نبه عليه الشارع في قوله ÷: «رفع القلم عن ثلاثة ... إلى آخره»⁣(⁣٣).

  مسألة: وكون البلوغ شرطاً لِتَوَجُّه التكليف الشرعي حكمٌ وضعيٌّ، وقد اختلف في تقديره بالسِّنين وفي ثبوته بأمور كَتَفَلُّكِ الثدي وانشقاق الأَرْنَبَةِ⁣(⁣٤) وغيرهما، والمسألة اجتهادية.

  فلو بلغ الصبي خمس عشرة سنة مجتهداً ذاهباً إلى أن البلوغ بثماني عشرة سنة كما هو مذهب أبي حنيفة، هل نُعَامِلُه بمذهبنا فتصح رِدَّته وإسلامه ونُفَسِّقه بارتكاب الكبيرة، ونَحُدُّه؟ أم بمذهبه فتنعكس الأحكام؟

  ولو كان مذهبه أن البلوغ بشيء من تلك الأمارات وحصلت له قبل السنين المذكورة، فهل نُعامله بمذهبنا أم بمذهبه؟

  والجواب عن الطرف الأول: أن السؤال فيه فاسد إذ لا مذهب لغير البالغ في الشرعيات، بل يعامل الصبي بمذهبه التبعيّ لوليّه أو ناحيته، ولا حكم لما أدَّاه إليه اجتهاده.

  وعن الطرف الثاني: أنه إذا ادّعى ذلك وهو ممكنٌ قُبِلَ قوله فنعامله بمذهبه، ويصير ذلك كما لو ادّعى البلوغ بالاحتلام في وقت إمكانه فإنه يُصَدَّق وتثبت له


(١) أي: أحكام الإسلام أو الكفر. من هامش (أ).

(٢) أبو العباس. من هامش (أ).

(٣) تمامه: «عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ» عن علي #، أخرجه عنه الإمام زيد في المسند مرفوعاً، والإمام أحمد بن عيسى في الأمالي وأبو داود في السنن رقم (٤٤٠٣) وغيرهم، وعن عائشة وابن عباس، وهما عند أبي داود (باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً).

(٤) الأرنبة: طرف الأنف. (نهاية).