[المقدمة]
  أحكام البالغ في المسألة الثانية، وكون ذلك مذهبه في المسألة الأولى.
  لا يقال: إن تصديقه فرع على عدالته المتوقفة على بلوغه فكيف يحكم ببلوغه من طريق تصديقه؟ وهل هو إلَّا دَوْرٌ؟
  لأنا نقول: ليس البلوغ ثابت هنا من طريق الخبر حتى يلزم الدور بل من طريق الدعوى؛ لأنه لما ادعى أمراً(١) لا يعلم إلا من جهته كان القولُ قولَه، ومثل ذلك لا تعتبر فيه العدالة.
  فصل: في الكفار
  لما كان الكفار مخاطبين بالعقليات كانوا مخاطبين بالشرعيات، وإنما لم تصح منهم العبادات لإخلالهم بشرطها وهو الإسلام، كما لا تصح صلاة الجنب مع كونه مخاطباً بها وبشرطها(٢).
  والمشهور عن الحنفية أنهم غير مخاطبين بها.
  وقال بعضهم: إنما الخلاف في كونهم مخاطبين بأداء العبادات لا بغيرها، ولا في أنهم مؤاخَذُون بها في الآخرة فهو محل اتفاق، وإنما ترك خطابهم بأدائها استدراجاً لهم عند اليأس من إسلامهم، كما يُعْرِضُ الطبيبُ عن وصف العليل عند اليأس، ولظاهر السنة وهو قوله ÷: «ادْعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإنْ هم أجابوك فأعلمهم أنَّ الله فرض عليهم خمس صلوات»(٣).
(١) وهو البلوغ بالاحتلام في المقيس عليه وكونه مجتهداً في غير البلوغ بالاحتلام. هامش (ج).
(٢) وهو الطهارة.
(٣) عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله ÷ لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب» أخرجه البخاري رقم (١٤٩٦) واللفظ له، وأخرجه مسلم في صحيحه (١٩) وابن حبان في صحيحه (٢٤١٩) وغيرهما بألفاظ متقاربة.