معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

الضرب الثاني: الأفعال

صفحة 413 - الجزء 1

  فرع: فإن وقع إصابتان غير مثخنتين ثم سرتا حتى استقلت كل منهما، فللأولى سراية سواء كانت هي المتقدمة في الوقوع أم المتأخرة، والوجه ظاهر.

  ومنها: الاغتراف: وهو سبب ملك الماء المباح، وإنما ينعقد سبباً إذا كان بالنقل والإحراز كما ينقل في الآنية والدلاء.

  فرع: فإن حصل الإحراز من غير نقل كماء الآبار والعيون المستخرجة وما تحويه المناهل والأراضي المملوكة من ماء السيول، فقد تعارض في ملكه العموم الذي في قوله ÷: «الناس شركاء في ثلاثة»⁣(⁣١) والقياس على الصيد الواقع في الحفير أو الشبكة.

  فقال جماعة: يخصص العموم بالقياس، كما تقرر في علم الأصول، فيكون ذلك الماء مملوكاً.

  وقال الجمهور: بل يرفض القياس؛ لمصادمته للنص، وليس من تقديم العموم على القياس.

  وتحقيقه: أن الشِّركة في الماء التي قصدها الشارع في الحديث إما أن تكون قبل وجود سبب ملكه وهولا يصلح مقصوداً له؛ لأن ذلك معلوم من العقل، وإنما بعث لتعريف الأحكام الشرعية، أو بعد وجود السبب وتأثيره في الملك، فلذلك⁣(⁣٢) لا يصح للإجماع، على أنه لا شِرْكة بعد الملك؛ لأنه خلاف مقتضى الملك فلم يبق إلا أن يريد بعد وجود السبب، فيكون الشارع معرِّفاً لنا أن السبب وإن وجد لا يوجب الملك، لكن خرج ما إذا كان بعد النقل والإحراز بالإجماع، فبقي حيث كان بالإحراز فقط؛ إذ لو أخرجناه أيضاً لبقي النص غير معمول به أصلاً.


(١) تمامه: «في الماء والكلاء والنار» أخرجه أبو داود (٣٤٧٧) بلفظ: «المسلمون»، وأخرجه أحمد (٣١٣٢)، وهو في الجامع الكافي، وأصول الأحكام.

(٢) في (ج): «فذلك».

(٣) أخرج البخاري (٢١٨٩) عن جابر أن النبي ÷: «نهى عن بيع التمر حتى يطيب ولا يباع منه إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا»، وأخرجه مسلم (١٥٣٦). والعرايا: هو بيع الرطب على رؤوس النخل بقدر كيله من التمر خرصاً بشرط التقابض. والعرية: هي النخلة، والجمع عرايا كانت العرب في الجدب يتطوع أهل النخل منهم بذلك على من لا ثمر له كما كانوا يتطوعون بمنيحة الشاة والإبل.