الضرب الثاني: الأفعال
  فرع: واتفق الجميع في النفل أنه لا بد من النيَّة، وأنها نيَّة الصوم فقط، وأنها تصح من بعض النهار؛ لأنه مبنيٌّ على التخفيف، لكن قال الشافعي: ليس الصوم إلا من وقت النيَّة، فأجاز صومَ بعضِ اليومِ بشرط الإمساك فيما قبلَه.
  فرع: لما كانت النيَّة مؤثِّرةً في وقوع الفعل على وجهٍ لم يكن لها حكم إلا في فعل الناوي أو ما هو كفعله، فالأول ظاهر.
  والثاني: كفعل الوكيل والوصيِّ فإنه فعلُ الموكِّلِ والموصِي حكماً، فلذلك استحقا ثوابه، وكانت النيَّة إليهما، وكان لهما تغييرها قبل الفعل، وهذا بخلاف ما إذا فعله الوكيلُ بغير وكالةٍ فإن نيَّة المالك لا تأثير لها، ومن هاهنا اشترط علم الوكيل فلم تقع زكاةً ما أخذه الفقيرُ بعد قول المالك: ما أخذه الفقراء من مالي فهو عن زكاةٍ من غير علم الفقير بذلك القول.
  فرع: ولما كان فعل الوكيل والوصي فعلاً للموكِّل والموصي حكماً لم يحتج إلى نيتهما بل لا تؤثر نيتهما لو غَيَّرَا نيَّةَ الأصل، كأنه ليس فعلاً لهما إلا نيَّة التعيين فيما لم يعيِّنه لهما الأصل كإخراج مالٍ عن زكاة وكفارة، وهذه نيَّةُ التمييز لا نيَّةُ العبادة فكأنهما نائبان في الفعل والنية معاً.
  فرع: ولما كانت النيَّة مؤثِّرةً في فعل الناوي إذا قال: اللهم إني أُسَبِّحُكَ عددَ ما دارت(١) خَرَزُ سُبْحَتي هذه، ثم جعل يُدِيْرُها تجدَّدَ له بإدارته لها الثوابُ كما يتجدَّد بفعلِ التسبيح ما دامت الإدارة متصلة، فإن تخللها إعراضٌ احتاج إلى تجديدِ النيَّة كما تقدم الإشارة إليه؛ لأن الإدارة قد صارت كأنها تسبيح.
  فرع: فإن قال: عدد ما تحرَّكَ متحرِّك وسَكَنَ ساكنٌ أو عدد ما خلقتَ أو أنفاس الخلق فلا يستحق ثواباً إلا على نفس القول لا على تجديد تلك الأفعال؛ إذ ليس أفعالاً له، وإن كان لكثرتها مدخلٌ في عظم ذلك الثواب.
  فرع: وكذا لو قال: سُبْحَانَ اللهِ عددَ ما دارت فما هي إلا تسبيحةٌ واحدةٌ لكن
(١) في (ج) وفي حاشية (ب): «ما أدرت».