الضرب الثاني: الأفعال
  موقعها عظيمٌ؛ إذ معنى أُسَبِّحُ أقول: سبحان الله، فيتجدَّد التسبيح حينئذٍ بخلاف: سبحان الله، فلا يتجدد فيه؛ ولهذا يظهر الفرق لو كانت تلك المسبحة مغصوبة فإنه إذا قال: سبحان الله يحصل له من الثواب ما يحصل لو كانت تلك المسبحة حلالاً.
  وإذا قال: أُسَبِّحُكَ، لم يتجدد له ما كان يتجدد لو كانت حلالاً؛ وذلك أن الإدارة حينئذٍ معصية فلا يقع تسبيحاً يستحقُّ عليه الثوابَ؛ لما سيأتي أن الطاعة والمعصية لا يجتمعان في فعلٍ واحدٍ.
  فإن قيل: إذا كان فعل العبد لا يصير فعلاً لغيره حكماً إلا بالاستنابة، فكيف يلحق العبدَ ثوابُ عملِ غيره فيما ورد من دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب، بل الدعاء للمؤمنين عموماً كما حكى الله عن ملائكته ورسله، ولذلك شُرِعت زيارة الموتى والدعاء لهم وتلاوة القرآن على قبورهم، فلولا أنه يلحقهم نفع ذلك لما شُرِعَ، ولا استنابة في شيء من ذلك؟
  قلنا: تلك صِلَةٌ شُرِعت بين المؤمنين اقتضاها التآخي في الله تعالى، فيكون الدخول في الإيمان والأخوَّة في الله الذي هو سببها كالأمر بها والتوصيةِ بفعلها، فتكون استنابةً في المعنى كما قيل: إن عقد الرُّفْقَةِ في سفر الحج استنابةٌ في أعماله عند ذهاب العقل، وإن الاستيداع ونحوه استنابةٌ في الإنفاق عند الغَيْبَةِ، ولا يحتاج إلى أمر الحاكم على قول البعض.
  فرع: ولما كانت العلَّةُ في مصير فعلِ النائب فعلاً للمستَنيب حكماً كونه سبباً في وجوده، استحق مَنْ سَنَّ سُنَّةً مثلَ أجرِ من عمل بها، ولما كانت الاستنابة منتفيةً هنا لم ينقص من أجر العامل شيءٌ كما أشار إلى ذلك الشارع كقوله ÷: «من سَنَّ سُنَّةً حسنة كان له أجرها ... إلى آخره»(١).
(١) لفظه عند ابن ماجه: عن جرير بن عبدالله عن النبي ÷ قال: «من سن سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة سيئة فعمل بها كان عليه =