الضرب الثاني: الأفعال
  ولذلك عظم الأجر والعقاب على الفعل حيث صَدَرَ ممن يُقْتَدَى به، كما نبه عليه الشارع في أزواج النبي ÷: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ...} إلى آخر الآيتين [الأحزاب: ٣٠ - ٣١]، ولذلك عَظُمَ ثوابُ الأنبياءِ والعلماءِ.
  وللسَّببية المذكورة كان [ثواب(١)] المبتدئ بالسلام مع كونه نافلةً أَعْظَمَ من ثواب المجيب مع كونه واجباً.
  فإن قيل: قد عُلم مما ذكر أنه لا يصح تأخير النيَّة عن الفعل، وقد قال بعض الفقهاء: إنه يصح أن يقرأ العبد الختمة مثلاً متردداً في إهدائها إلى مَنْ تكون ومَنْ بثوابها يَبرُّ ثم يهديها بعد الفراغ فهل لذلك من وجهٍ؟
  قلنا: لما شَرَعَ فيها ناوياً جَعْلَها لمن سيعيِّنه كانت النيَّة مقارنةً والتعيينُ كاشفٌ، ومثل ذلك يصحُّ كما صحَّ إهلالُ علي ¥ بما أهلَّ به رسولُ الله ÷، وكما تصح نيَّة المؤتم ما نوى إمامه حيث التبس أظهر أم جمعة.
  فإن فُرِّقَ بأن المنويَّ في الإهلالِ والصلاةِ شيءٌ ثابتٌ في نفس الأمر وإنما جُهلت عينه فقط بخلاف ما نحن فيه كصورة التلاوة المذكورة.
  فجوابه: أن فيما نحن فيه شيئاً ثابتاً في نفس الأمر أيضاً وهو ما سَيُعَيِّنُهُ على أن هذه النيَّة زائدةٌ على نيَّة الفعل التي صار بها عبادةً بل هي تمييز المستحقِّ كمن عزل الزكاة بنيتها ثم صرفها إلى واحدٍ من الجنس بعد ذلك؛ لأن في كلٍّ منهما وإن كان عبادةً حقّاً لآدميٍّ، وحقوق الآدميين تقبل ذلك كمن عليه دَيْنَان في أحدهما رهنٌ فقضى أحدَهما بغير نيَّةٍ فإن له التمييز من بعدُ على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
= وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئاً»، وأخرجه الترمذي باختلاف يسير (٢٦٧٥)، وأخرجه المنذري عن واثلة، والطبراني في الأوسط عن حذيفة (٩٤/ ٤)، والبزار في مسنده (٣٦٦/ ٧)، وألفاظه متقاربة.
(١) زيادة في (ب).