معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

الضرب الثاني: الأفعال

صفحة 69 - الجزء 1

  مباحٍ فهذه النيَّة مغيرةٌ للعبادةِ نحو: أن ينويَ في ركوعٍ من الظهر أنه من العصر وفي السجود أنه للتلاوة وفي الركوع الأول أنه الثاني أو أنه لفعل مباحٍ، وفي غسل يده أنه لِلتَّبَرُّدِ، وفي صوم الفرض المتعين أنه نفل.

  لا إذا نوى في اليوم الأول من رمضان أنه الثاني فلا يضر؛ لأنه محالٌ كما إذا نوى المستقبِل للقبلةِ أنه مستدبرٌ لها فلا تأثير لنيَّته، ولا فيما كان متعين الصوم كما إذا صرف في نهار رمضان إلى غيره بعد نيَّته له؛ لأنه بتعيُّنه أشبه ردَّ الوديعة، فأما لو لم تتقدم نيَّةٌ لم يصح لعدم النيَّة لا للصرف.

  فرع: ومثل ذلك الوقوف في الحجِّ فإنه لا يتغير بالصَّرف كأن يَقْصِدَ به مجردَ طلبِ البيع والشراء؛ لما سيأتي أنه قد صار بالإحرام متعيِّناً كالوديعة.

  مسألة: وإذا وقع الصَّرف في الأقوال التي هي معتبرةٌ في العبادات فإن كانت أركاناً كتكبيرة الإحرام والتسليم وقراءة الفاتحة في الصلاة وألفاظ الأذان والإقامة وتلبية الحج الواجبة والقدر الواجب من ألفاظ الخطبة وتكبير العيدين والتشريق ونحوها، فسدت؛ إذ صارت كأنَّها معدومةٌ في ذلك المحل وإن كانت نوافل لم يضر صرفها إلا حيث صارت بالصرف من كلام الناس فإنه يفسد الصلاة، وكذا لو شرك في النيَّة في الأصح؛ إذ العلة واحدة.

  فرع: فإن قرأ المصلي قاصداً لِمُجَرَّدِ الاستحفاظ أو الاستشفاء أجزأه للصلاة؛ إذ لم يقصد غير القرآن، غايته أنه لم يعتقد كونه للصلاة، ولا تجب هذه النيَّة، وجعله للاستحفاظ لا يُخْرجه عن كونه قرآناً فقد فعل ما أشار إليه الشارع سبحانه بقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}⁣[المزمل: ٢٠].

  فرع: قد عُلِم من تأثير النيَّة في فعل الناوي تأثيرها في نحو: ما شراه بنيَّته للتِّجارة أو الأُضْحِيَّة أو كونه للمسجد أو بنى بنيَّةِ جَعْلِه مسجداً أو قطع الشجرة المباحة له أو فرش فيه أو علَّق بنيَّة التسبيل؛ لأن النيَّة لما قارنت السبب ثبتت هذه الأحكام اقتضاءً.

  فرع: وكذا إذا نوى المسافرُ الإقامةَ أو المقيمُ السفرَ شارعاً فيهما ولا حكم لمجرَّدِ