[القسم الأول: حقوق الله تعالى]
  تنزيلاً لتقليل أجزاء النجاسة منزلةَ عدمِها دفعاً للحرج فكذا هنا.
  قلنا: لا نسلم أن العفو عما تعذر الاحتراز عنه فيما هو أصل في التطهير - وهو الماء - يستلزم العفو فيما لا أصل له في التطهير - وهو سائر المائعات - مع ما ورد في ذلك من الشرع بقوله ÷ في المنيِّ: «ثم اغسليه بالماء»(١)، وقوله ÷: «صُبُّوا عليه ذَنُوْباً من ماء»(٢).
  فرع: ولما كانت الطهارة زوال النجاسة قال بعض أصحابنا: إنه يطهر المحل بيقين زوالها في المرئية وظنِّه(٣) في غيرها لتعذر اليقين؛ إذ الزيادة على ذلك مجرد تعبُّدٍ، وقد ذكرنا أنه لا عبادة فيها وليس اعتبار خصوص الماء لمجرد التعبُّد، بل لما ذكرنا من العفو عما بقي من أجزاء النجاسة بعد أن صح إطلاق الزوال عليها عرفاً.
  وبعض أصحابنا أوجب الثلاث الغسلات لأن المحل والماء الأول المزيل للنجاسة مجاور أول، وفي الغسلة الثانية مجاور ثانٍ، وفي الثالثة مجاور ثالث يطهران معها، واعتبرت الثلاث(٤) لأنه عدد اعتبره الشرع في كثير من الأحكام بل في جنس التطهير وهو الطهارة من الحدث مع ما وَرَدَ من الشرع كقوله ÷: «إذا استيقظ أحدُكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت»(٥)، وأيضاً قصد أن يكون بين المحل والنجاسة ماء طاهر وليس ذلك إلا الغسلة الثالثة.
  فرع: فعلى القول الأول ذهبت النجاسة بالقلع والفصل فيكون ذلك الماء
(١) لم أجده بهذا اللفظ في المني.
(٢) عن أبي هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي ÷: «دعوه وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين»، أخرجه البخاري (٦١٢٨)، وأبو داود (٣٨٠)، وأحمد في المسند (٧٧٩٩)، واللفظ له.
(٣) في (ج): وظن.
(٤) في (ب، ج): «الثالثة».
(٥) أخرجه عن أبي هريرة أبو داود (١٠٥)، والبخاري (١٦٢)، ومسلم (٢٣٧)، وعن عبدالله بن عمر أخرجه ابن خزيمة (١٤٦)، والبيهقي في الكبرى، وعن جابر بن عبدالله أخرجه ابن ماجه (٣٩٥)، والدارقطني (٤٩/ ١)، وجميعها بألفاظ متقاربة.