معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 86 - الجزء 1

فصل: [في الوضوء]

  الوضوء من غير حدث عبادة اتفاقاً يشترط فيه النية، وكذا الوضوء من الحدث عند الجمهور فيشترط فيه النية، ولا يصح بالماء المغصوب.

  وقالت الحنفية وبعض أصحابنا: ليس بعبادة وإنما هو من الدَّيانات التي وجبت غير مقصودة في نفسها بل وسيلة إلى غيرها كالتطهر من النجاسة. واحتج الجمهور بإيماء آية المائدة وقوله ÷: «الوضوء شطر الإيمان»⁣(⁣١) والقياس على التيمم بجامع الطهارة للصلاة، وبكونه غير معقول من ثلاث جهات فكان تعبداً:

  الأولى: من جهته في نفسه، فإنه تطهير غير معقول بخلاف التطهر من النجاسة.

  الثانية: من جهة مَحَلِّه، فإن تخصيص تلك الأعضاء المخصوصة دون غيرها لا يُعقل له وجه.

  الثالثة: من جهة توقُّف الصلاة عليه واحتياج صحتها إليه؛ إذ لا يعقل وجهه.

  وأجابت الحنفية عن الأول: بأنه محمول على الندب ونحن لا نخالف فيه وقرينة ذلك تعليقه بكل صلاة ولا خلاف أنه حينئذ للندب.

  وعن الثاني: بأن الإيمان أعمُّ من العبادة.

  وعن الثالث: أنه قياس الأصل على الخَلَف وهو لا يصح؛ إذ قد يعتبر في أحدهما ما لا يعتبر في الآخر، وأيضاً من حقِّ الخَلَف الاحتياج إلى النية وإن لم


(١) عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله ÷: «الوضوء شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» أخرجه الترمذي (٣٥١٧) واللفظ له، ومسلم (٢٢٣) بلفظ «الطهور»، والنسائي (٢٤٣٧) بلفظ «إسباغ الوضوء».