[القسم الأول: حقوق الله تعالى]
  يحتج إليها الأصل كالكنايات التي هي خَلَفٌ عن الصرائح.
  وعن الرابع: بأنَّا لا نسلم أنه غير معقول من تلك الجهات:
  أما الأولى: فإن التطهر بالماء معقول، وإنما الذي لا يُعقل هو المتطهَّر منه الذي هو الحدث، بخلاف التيمم فكلاهما غير معقول؛ فلذلك احتاج إلى نية، وكونه يلزمه أمر غير معقول وهو المتطهَّر منه لا يستلزم كونه عبادةً كما أن التطهير من النجس يلزمه أمر غير معقول وهو التنقية ولم يَصِرْ عبادة.
  وأما الثانية: فإنه لما اتَّصف البدن جميعه بالحدث والحدث مُشَبَّهٌ بالخبث على ما سيأتي، كان الواجب في الأصل غُسْلَ جميعه فاكتفى بغسل الأطراف وبالمسح في الرأس وعلى الخفين عند بعض في الحدث الأصغر دفعاً للحرج، وبقي الحدث الأكبر على الأصل لندوره فلا حرج.
  وأما الثالثة: فإن التنقية من الأوساخ والأرجاس عند القيام لمخاطبة ملك الملوك بحضرة البررة الكرام مما تُدْرَك مناسبتُه عقلاً؛ لما فيه من التعظيم والإجلال؛ ولذلك شُرع للمصلي نظافة الثياب والتعمُّم والتختُّم وحمل الطيب، وكُرِهَ له لُبْسُ الدَّرِنِ وكشفُ الرأس والتلبسُ بالروائح الكريهة على ما نبه عليه الشارع بقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف ٣١]، وللأحاديث الواردة في كل ذلك.
  وأيضاً الأرجاس الظاهرة مشبَّهَةٌ بالأرجاس الباطنة فأُمِرَ العبد بهجرها ومحو آثارها؛ ليكون ذلك عوناً له على الإخلاص، وذريعةً له إلى التطهر من بواطن الأرجاس.
  فرع: وهذا مبني على تشبيه الحدث بالنجاسة العامة للبدن بكونه من آثارها فأُمِرَ العبد بالتطهير منه مبالغةً في البعد من النجاسة، وتنزيلاً لما هو من أثر ذلك الشيء منزلةَ ذلك الشيء؛ ولذلك شُرع فيه التثليث ندباً الذي هو مشروع في الأصل وجوباً فرقاً بين الشيء وأثره المشبه به.