الضرب الثاني: الأفعال
  وللجمهور أن يدفعوا ما ذكرته الحنفية من كونه معقولاً بأنه إذا كان المتطهَّر منه غيرَ معقولٍ كان التطهر [نفسه(١)] غيرَ معقول؛ إذ هو أمرٌ نسبيٌّ(٢) بين المتطهر به والمتطهر منه فيصير غيرَ معقول؛ لعدم عقليَّة أحد الطرفين.
  وتحقيقه: أن الثلاثة كلها غيرُ معقولة في التيمم فكان عبادةً محضةً، وكلها معقولة في التطهر من الجنب(٣) فكان دَيانةً محضةً، واثنان منها غير معقولين في الوضوء دونَ الثالث فكان عبادةً مشوبةً بديانة وجنبة العبادة غالبة؛ فلأجلها اشترطت النية، ولم يصح مع مصاحبة وَجْهِ قبحٍ، ولجنبة الدَّيانة صحت فيه الاستنابة كما مر ذكره، وما ذكروه إنما يقتضي كونه ليس عبادة محضة ونحن لا ندعي ذلك. على أن ردَّهم لدلالة الآية ضعيف؛ إذ الأصل في الأمر الوجوب.
  فإن قيل: هلَّا ادعت الحنفية أن المتطهر منه أيضاً معقول تنزيلاً للحدث منزلة النجاسة كما ذكروه، فتكون الثلاثة كلها معقولة فيصير ديانة محضة كالتطهر من الجنب(٤)؟
  قلنا: ذلك التنزيل يُصَيِّرُهُ معقولاً حكماً وهو لا يُخْرجه عن كونه غير معقول حقيقةً.
  فرع: وهل تُعَلَّقُ نيَّةُ الوضوء بالصلاة كما أشارت إليه الآية(٥) فتُقْصَر على ما عُلِّقَ به، أم برفع الحدث فيفعل به المتوضئ ما شاء؟
  فيه قولان للعلماء مبنيَّان على معرفة ماهيَّة الوضوء، هل هو أمرٌ وجوديٌّ والحدث عدمه، فيكون مقصوداً في نفسه لصحة الصلاة فتجب نيَّتُهُ لها، أم عدمُ الحدثِ والحدثُ أمرٌ وجوديٌّ مانعٌ من الصلاة، فيكون رفعه مقصوداً فتجب نيته له؟
  ويعضد الأول شرعيَّتُهُ من غير حدث إلا أن يُجْعل الاشتغال بالمباح بمنزلة
(١) زيادة من (ج).
(٢) في (أ): «بشيء».
(٣) في (ج): «الخبث».
(٤) في (ب، ج): «الخبث».
(٥) إذ تقدير معنى الآية: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا لها.