[معجزات الأنبياء مما نبغ فيه قومهم]
  فوجب أن يأتي كلَّ طائفة رسولُها بما يعرفون، وإلا لم يكن ذلك صوابا ولا حكمة.
  ألا ترى أن الكاتب يتحدى الكاتب، والفارس يتحدى الفارس، والشاعر يتحدى الشاعر، وكل صاحب صنعة لا يحسن أن يتحدى إلا من هو مثله. في قول الله ø على لسان نبئنا محمد ÷ لقومه: {فَأتوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِثلِهِ مُفتَرَياتٍ}[هود: ١٣]، وقوله: {قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا}[الإسراء: ٨٨]، ويقول: {فَإِن لَم تَفعَلوا وَلَن تَفعَلوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتي وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ أُعِدَّت لِلكافِرينَ}[البقرة: ٢٤]، في مواضع مختلفة، وأوقات متفرقة، دلالة على نبوته.
  فلما عجزوا عن إجابته عدلوا إلى حربه وسبه وأذاه، وقالوا: ساحر وشاعر ومجنون. فمن عرف هذه الطريقة، آمن بالرسول على حقيقة، ويعلم أنهم تحيَّروا لما عجزوا، فلم يعرفوا الشاعر ولا المجنون، لأن هذا القرءان ليس بشعر ولا سحر، ولا يأتي به مجنون، وإنما هؤلاء المعاندون أهل الرياسة.
  فأما المصدقون المؤمنون فسلموا وصدقوا، فعلموا أن دلائل الله وإن اختلفت أوصافها معجز. فبان بالمعجز الأنبياء، فإن آمن اليهود بمحمد ÷ آمنوا بموسى وعيسى @، وإن كفروا بمحمد كفروا بموسى وعيسى @، لأن ما يوجب صدق أحدهم يوجب صدق جميعهم وإن اختلفت الأوصاف، وبالله التوفيق.
  فهذه أصول في النبوة لا يجوز المعجز إلا لنبي، فافهمها إن شاء الله تعالى.