مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[العدل]

صفحة 27 - الجزء 1

[العدل]

  وينبغي للمؤمن إذا وحَّد الله وعرف أنه ليس كمثله شيء، أن يعرف الله برحمته لعباده، ويعلم أن الله عدل حكيم رحيم، لا يجور على أحد من خلقه، بل يكلفهم ما يستطيعون دون حقه، لا يكلف عباده إلا ما يطيقون، ولا يسألهم إلا ما يجدون، ولا يجازيهم إلا بما يكسبون، وهكذا قال تبارك وتعالى في كتابه الحكيم: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلّا وُسعَها}⁣[البقرة: ٢٨٦]، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلّا ما آتاها}⁣[الطلاق: ٧]، وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا استَطَعتُم}⁣[التغابن: ١٦]، وقال جل وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطاعَ إِلَيهِ سَبيلًا}⁣[آل عمران: ٩٧]، فلم يكلف الكريم الرحيم أحدا من خلقه ما لا يستطيع، بل كلفهم دون ما يطيقون، وفرض عليهم أقل ما يستطيعون، وعذرهم لحدوث الآفات التي امتحنهم فيها، ووضع عنهم الفرض عند حلولها، فقال سبحانه: {لَيسَ عَلَى الأَعمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى المَريضِ حَرَجٌ}⁣[النور: ٦١، الفتح: ١٧] إذا زالت عنهم الاستطاعة والإطاقة، عندما حل بهم ما حل من الآفة، ولم يقدروا على أداء الفريضة، ولم يقل جل ثناؤه: ليس على الكافر حرج ولا على السارق حرج ولا على الزاني حرج، إذ كانوا مستطيعين لترك الزنا والكفر والسرقة، ولأنه سبحانه ... [فتعالى] الله عن كذبهم علوا كبيرا.