باب الشفق
باب الشفق
  وهو الشعبة الثانية من الصبر، والشفق على ثلاثة أوجه:
  شفق من طريق خوف الفوت.
  وشفق من طريق خوف العقوبة.
  وشفق من طريق انحباط الأعمال ألا تكون أُديت على حد ما افترض.
  والشفق الذي من طريق خوف الفوت هو الإشفاق الذي ينتظم الأعمال كلها، وبه تصح الأعمال مبادرا لأجله بالمنافسة والمسارعة إلى طاعة ربه، خوفا أن يفتر ساعة من عمره فيكون فيه مشتغلا بغير ما خلق له من طاعة ربه، أو بما يوصله إلى طاعته، مما لا يمكن الطاعة إلا به، من إصلاح من يكون فيه عون له على معاده، ووصلة إلى ربه.
  والوجه الثاني من الشفق وهو أعلا درجة عند الله من الأول، وهو أن يكون من العبد العمل فيخاف أن لا يقبل منه لتقصير كان فيه، وإن قُبل خاف أن يأتي بعده بما يحبطه، فهو لذلك خائف ومنه مشفق، مراع لنفسه مراقب لخواطره ودواعي نفسه، حافظ لله عزايمه، إلا أن مع خوفه رجا لتفضل ربه، وكذلك صفة المؤمن يخاف على نفسه لسالف جرمه ولخاتمة أمره، وهو مثل قول أبي بكر: «ينبغي للمؤمن أن يكون كَذِي قلبين يرغب بأحدهما ويرهب بالآخر»، وقال رواحة بن عبد الله: «الأنصار لووزن الخوف والرجا مني لأعتدرلا».