مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب العدل

صفحة 222 - الجزء 1

باب العدل

  وهو الدعامة الثالثة.

  قال علي بن أبي طالب ~: «والعدل منها على أربع شعب: على غايص الفهم، وزهرة العلم، وشريعة الحكم، وروضة الحلم. فالعدل: هو القول بالحق كله على يقين أبوابه، في كل ما [كان] للعبد أو عليه، أو يقول بالعدل في جميع أحواله، ويؤثر الصدق حيث يضره على الكذب حيث ينفعه، فلا يقول إلا حقا، صابرا محتسبا».

  والعدل ينتظم جميع المعاني من القسط في العدل والحكم، والفعل من الأخذ والإعطاء، فيما للعبد [و] عليه، وأشرف درجة العبد الإنصاف من النفس في كل حال، حتى يقوم العبد بالإنصاف بنفسه، فيعطي غيره من نفسه ما يأخذه لنفسه من غيره، فإذا فعل المرء يدل ذلك قائما في درجة العدل، وكمال درجة العدل أن يرضى للناس ما يرضى لنفسه، وكما تحب أن يحسن إليك من أسأت إليه فأحسن إلى من أساء إليك، وكما يحب العبد أن يُحلم عنه إذا جهل، فكذلك يحلم هو عمن جهل عليه، وكما يحب أن ينصفه الناس في الأخذ والإعطاء فكذلك يجب عليه أن ينصف هو من نفسه، فإذا رضي للناس ما يرضى لنفسه، وأحب لهم ما يحب لنفسه، وكره لهم ما يكره لنفسه، فقد قام في درجة العدل.

  وكذلك روي عن ابن مسعود، ووهب بن منبه، أنهما قالا: «التوراة والإنجيل والقرءان تدور على أن ترضى للناس ما ترضى لنفسك». وقال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى