مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الأصل التاسع

صفحة 120 - الجزء 1

باب الأصل التاسع

  ثم تعلم أن معاصي الأنبياء المذكورة ليست بكبائر، إنما هي صغائر، والصغائر فهو: ما وقع على سبيل النسيان والخطأ، كخطيئة آدم #، وغيره من الأنبياء $، وليس بعمد ولا قصد إلى معصية الله، وذلك قوله تعالى: {وَلَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ فيما أَخطَأتُم بِهِ وَلكِن ما تَعَمَّدَت قُلوبُكُم}⁣[الأحزاب: ٥]، فكل ما كان قبيحا عقلا وسمعا فمن أتاه عمدا قصدا له مع علمه بقبحه فقد أتى كبيرة، وهذا لا يجوز على الأنبياء $، وما كان على سبيل الخطأ والنسيان في أول حال المرء، ثم رجع في ثاني حال، ولم تستمر به الغفلة عليه، وتأمَّلَه بأي حال فَعلَه معصية، [ثم] تاب ورجع كان صغيرة، لأنه ليس لنبي ولا إمام، ولا مؤمن، أن يحل ولا يحرم إلا بعلم، فما علمه حقا قاله، وما علمه باطلا اجتنبه، وما لم تدل عليه دلالة أحدهما توقف فيه، ولم يعتقده حتى ينظر فيه، فأيهما كان وَصَفَه به والحقه، فمن غفل في ابتداء أمر فاستعجل في شيء من فعله، ثم تأمله في ثاني حال، فصح بتأمله زلله فتاب من عجلته، وأناب من زلته، مثل الأنبياء، ومن عظم حاله من الأئمة الفضلاء، ومن الأخيار الذين لا يؤثرون الغفلة، ولا يَدَعُون اتباع الطاعة، فهذا أصل افهمه فإنه مما يجب أن يُعرف، فإن كثيرا من الجهال ينسبون إلى الأنبياء $ المعاصي الكبار، وهذا لا يجوز عليهم ولا على الأئمة إلا على سبيل الخطأ والنسيان.

  فأما الأنبياء فإنهم لا يجوز عليهم ذلك في دين الله ø الذين أمرهم بتبليغه، لأنه يحوطهم حتى يبلغوا رسالته، ويعضدهم بالتأييد واللطف. وأما غير ذلك من أمورهم في أنفسهم فإنهم بشر، ولكنهم بحفظهم لأنفسهم،