مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[التوبة من الجراحات]

صفحة 42 - الجزء 1

[التوبة من القتل العمد]

  وأما ما كان من القتل فلا توبة لقاتل المؤمن حتى يندم على القتل ويستغفر الله منه، ويعزم على أن لا يعود إليه أبدا ظالما، ويُمكِّن أولياء المؤمن المقتول من نفسه صابرا محتسبا، ويُعلمهم أنه قتل صاحبهم ظالما متعمدا، فإذا فعل ذلك فهو تائب لا شيء عليه من إثم القتل، فإن قتلوه فائزا فحق هو لهم ولا تبعة لهم عليه، ولا حق للمقتول لديه، وإن عفوا عنه فلهم أن يعفوا عنه، لأن الحق بعد المقتول لأولياء المقتول، ويعوض الله جل ثناؤه المقتول المؤمن إذا كان مؤمنا صابرا.

  وكذلك قال الله سبحانه: {وَمَن قُتِلَ مَظلومًا فَقَد جَعَلنا لِوَلِيِّهِ سُلطانًا}⁣[الإسراء: ٣٣]. فقد سلَّط الله أولياء المقتول على القاتل، إن شاءوا قتلوه وإن شاءوا عفوا، فإن تاب فيما بينه وبين الله ولم يُمكِّن أولياء المقتول من نفسه لم تُقبل توبته، فإن لم يعرف القاتلُ أولياءَ المقتول عزم القاتل أن يُمكِّن أولياء المقتول من نفسه متى عرفهم، فيصنعوا به ما لهم عليه من القتل أو الدية أو يعفوا، ولا يدفع نفسه إلى سلطان ولا إلى غيره إلا إلى أولياء المقتول، فإن لم يفعل هذا كان كما قال جل ثناؤه: {وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظيمًا}⁣[النساء: ٩٣].

[التوبة من الجراحات]

  وأما ما كان من جراحات سوى القتل مما يجب فيه القصاص فإنه يتوب إلى الله جل ثناؤه منها بالندم عليها، والإقلاع عنها، والعزم على أن لا يعود إليها، وأن يُمكِّن من نفسه مَن جَرَحَه، فإن اقتص منه فلا شيء عليه، وإن