[العلم الضروري والاستدلالي]
باب الأصل الرابع في معرفة ملائكة الله والإيمان بهم
  وهذا الكتاب فمبني على ما ذكر الله تبارك وتعالى، حيث يقول: {آمَنَ الرَّسولُ بِما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبِّهِ وَالمُؤمِنونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ وَقالوا سَمِعنا وَأَطَعنا غُفرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيكَ المَصيرُ}[البقرة: ٢٨٥]. فالإيمان بالله يكون بعد معرفته بصفاته لذاته، وصفاته لفعله، وقد قدمنا ذلك، كذلك يجب أن يعرف الملائكة À بصفاتهم ثم يؤمن بهم، فإن الإيمان بمن لا يعرف جهل، كذلك قال الله تعالى: {وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا}[الإسراء: ٣٦].
[العلم الضروري والاستدلالي]
  والعلم فهو ما أُدرك من وجهين لا ثالث لهما، علم يسمى: علم الضروري، وهو ما يدرك بالحواس الخمس: نظرا وشما وذوقا ولمسا وسمعا، بالعين والأنف والأذن واللسان واللمس لسائر الجسد. فأي شيء أدَرَكته هذه الحواس الخمس فهو كما أدرَكَتْه لا شك فيه، ولا يظن به غيره، ولا يشك فيه أحد، فعل من الله تبارك وتعالى، والعبد اضطر إليه، وجعل هذا العلم الضروري أصلا لعلم الدليل، فكل علم لا شك فيه فهو علم ضروري.
  وعلمُ الدليل هو ما يستدل به على الغائب مثل الفعل على الفاعل، والأثر على المؤثر، والسماء والأرض وما بينهما، وجميع ما يُشَاهد من فعل الله ضرورة، فهو دليل على فاعله، لأن خالقنا - جل اسمه - لا يُعلم ضرورة. ألا ترى أنك إذا عاينت وجها حزينا تستدل بما ظهر في وجهه على الحزن