مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الامتحان بالصدق في مواضع المحن

صفحة 142 - الجزء 1

باب الامتحان بالصدق في مواضع المحن

  إن المؤمنين لما علموا أن الله جل ذكره لا يُنال ما عنده إلا بالصدق والقيام بأمره، وأنه لا يملك معه أحد ضرا ولا نفعا فيما يريد أن يتولاه منه بالامتحان للبلوى، فيثقوا بالله في أحوال الصدق، ويؤثرونه على الكذب، إذ علموا أن الله وحده لا شريك له هو المالك لضر الدنيا والآخرة، وأنه لا يملك أحد معه من ذلك شيئا، إذ كان يصرف بها ذلك مما لا يدخل قدرة عباده، وما مكَّنهم من فعله، لأنهم إنما مُكِّنوا من فعل ما أمروا به ونهوا عنه، وإذا استعملوا هذا العلم مع علمهم أن لله لطائف عنهم كيد أعدائهم، انقطعوا إليه في صرف ذلك دون من سواه، فزال عنهم الجزع بالانقطاع إليه، وآثروا القيام لله بقسطه على جميع خلقه، فزالت عنهم المداهنة، وكانوا كمن وصفه الله من المؤمنين الذين وصفهم فقال: {الَّذينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إيمانًا وَقالوا حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ ١٧٣ فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ لَم يَمسَسهُم سوءٌ وَاتَّبَعوا رِضوانَ اللَّهِ}⁣[آل عمران: ١٧٣ - ١٧٤]، وهذا عاقبة التوكل على الله.

باب الامتحان بالمصائب والأمراض

  ومنه: الامتحان بالمصائب والأمراض، فيصبروا على ذلك ويعرفوا أبواب ما عرفوا من نعمة ربهم عليهم فيما ابتلاهم وامتحنهم نظرا منه لهم واختيارا لهم، فعليهم الصبر على ذلك والتسليم لما اختار ربهم لهم، حتى أورثهم ذلك الرضا عن ربهم، وترك الاختيار عليه، لما هو أهل لقولهم وأقرب إلى ربهم، إذ علموا أنه أنظر لهم منهم لأنفسهم، وأنه أعلم بما يصلحهم ويصلح شأنهم، فيما هو أصلح لقلوبهم، وأقرب إلى ربهم منهم بأنفسهم، فإذا استعملوا هذا العلم في هذا الموضع طابت أنفسهم بربهم بالصبر على ما امتحنوا به، وأوثق في محبته، وأعطاهم جزيل الثواب في عاجل دنياهم وآجل آخرتهم.