مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[مذهب القاسم في الهجرة]

صفحة 16 - الجزء 1

[مذهب القاسم في الهجرة]

  وكان أبي ¥ يرى فرضا واجباً على المؤمنين أن يكونوا بالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهيين وله منكرين، فإن لم يقووا على أهل المنكر، ولم يجدوا عليهم أعوانا يردونهم ويمنعوهم عن معصية الله سبحانه، وما هم عليه لأمر الله من المعاندة، كان أقل ما يجب عليهم لله ø في الفجرة والفساق الاعتزال لهم بالهجرة والمباعدة، وأن يتخذوا دارا غير دارهم، وأن يتفرقوا إلى الله ø بترك جوارهم، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه مخبرا عن ملائكته، الذين يحضرون الميت فيذمونه وقد كان مستضعفا، ضعيفا عن الإنكار على أهل معصيته: {إِنَّ الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم}⁣[النساء: ٩٧]. عنى تبارك وتعالى بظلمهم أنفسهم مقامهم مع أهل الجور والمنكر في دارهم ومحلهم، قال الله سبحانه مخبرا عن أولئك ومقامهم مع العصاة والفجار ورضاهم بمجاورتهم، إذ تقول لهم ملائكة الله $ عند قبضهم لأرواحهم: {قالوا فيمَ كُنتُم} - يعنون ماذا فعلتم من إنكار المنكر على من جاورتهم من أهله؟ - {قالوا كُنّا مُستَضعَفينَ فِي الأَرضِ}⁣[النساء: ٩٧]. فعلمت ملائكة الله أنهم قد صدقوا في الخبر من ضعفهم، واحتجت الملائكة عليهم لله إذ ضعفوا عن مجاهرتهم، و {قالوا أَلَم تَكُن أَرضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِروا فيها}⁣[النساء: ٩٧]. يقولون: فتنجوا عن أهل المنكر والمعاصي في أرض الله الواسعة ولا تجاوروهم، قال الله سبحانه: {فَأُولئِكَ مَأواهُم