مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[الحسد]

صفحة 59 - الجزء 1

  فإن الله يخلف لكم ما أنفقتم وهو خير الرزاقين، قال الله تبارك وتعالى: {وَما أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرّازِقينَ}⁣[سبأ: ٣٩].

  فهذا باب كبير من تمام الإيمان، إن حافظتم عليه رشدتم، وإن بخلتم على أنفسكم بالتقرب إلى الله به غويتم وهلكتم.

[الحسد]

  وأوصيكم بطرح الحسد من بعضكم لبعض، فكونوا [له] مطرحين ولا تستعملوه بينكم، فيكون الله به عليكم من الساخطين، وكيف يكون المؤمن لأخيه حاسدا، فيكون عند المحاسدة له مبغضا وعليه حاقدا؟! وقد أمره الله لأخيه المؤمن بالمحبة والمودة.

  والحسد فقد أمر الله نبيه والمؤمنين بالتعوذ منه، فقال سبحانه: {قُل أَعوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ١ مِن شَرِّ ما خَلَقَ ٢ وَمِن شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ ٣ وَمِن شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي العُقَدِ ٤ وَمِن شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ٥}⁣[الفلق: ١ - ٥]. والحسد - أرشدكم [الله] - أول ما عصي الله به في أرضه، لأن إبليس اللعين كان الحسد هو الذي حمله حين حسد آدم على عصيان [الله]، ثم أمر الله الملائكة وأمره بالسجود لآدم، والذي أمر الله به إنما هو السجود من أجل آدم، عندما نزل فيه من عجيب صنع الله الحكيم، إذ خلقه من أحقر الأشياء الطين المسنون والحمأ، فعاد بشرا حيا ناطقا، بعد أن كان لا ينطق، سميعا بصيرا بعد أن كان لا يسمع ولا يبصر، متحركا قائما قاعدا بعد أن كان جمادا خامدا، عاقلا بعد أن كان محتقرا خاملا، قد شارك ملائكته في العقل، وإن كان لهم عليه في جميع الأمور الفضل.