[حب الله شكر لنعمه]
[حب الله شكر لنعمه]
  فأول ما أنا به موصيكم حب الله وتقواه وطاعة خالقكم وبارئكم، الذي صنعكم وفطركم، وصوَّركم فأحسن صوركم، خلقا من بعد خلق في ظُلَم الأرحام، كما قال الله سبحانه وتعالى وهو يخبر عن خلق الإنسان: {وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طينٍ ١٢ ثُمَّ جَعَلناهُ نُطفَةً في قَرارٍ مَكينٍ ١٣ ثُمَّ خَلَقنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقنَا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقنَا المُضغَةَ عِظامًا فَكَسَونَا العِظامَ لَحمًا ثُمَّ أَنشَأناهُ خَلقًا آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الخالِقينَ ١٤}[المؤمنون: ١٢ - ١٤]، وهكذا كما قال تبارك وتعالى: أنشأكم وقدركم، وفي هذه التارات والطبقات من التصوير نقلكم وصوركم، وهو أولى بكم وبملككم من آبائكم وأمهاتكم، إذ ليس للوالدين فيكم حجة غير الحركة التي كانت بها النطفة في الرحم، ثم كان سبحانه هو الذي دبَّرها وصرَّفها ونقلها، حتى أتم من خلقه ما أراد أن يتم، رأفة ورحمة وجودا وكرما، فوهبكم لآبائكم، وابتدأكم بخلقكم، من غير حاجة منه إليكم، بل لما أراد من الإفضال والجود عليكم، ثم لم تزالوا تتقلبون في نعمه، وفضله وعطاياه وكرمه، صغارا وكبارا، وليلا ونهارا، ومع كل نَفَس وطرفة عين.
  يعرفكم سبحانه في أول ما ذكرنا وآخره أنه ربكم، ومالكم ومدبركم ورزاقكم، إذ ليس من نعمة أنعمها أب وأم عليكم إلا وهي منه، لا صنع فيها لصانع ولا لوالد، غير أنه أجرى ذلك على يدي الوالدين وأوصله إليكم، والذي أوصل إليكم بالوالدين من النعم فنعمه فيما ظهر وبطن أكثر من ذلك أضعافا وأعظم، إذ هي مع كل نفس ولمحة عين وطرفة، وفي كل نوم وهدوء، وعند كل سكون وحركة، ونعمه كما قال تبارك وتعالى أكبر وأوفر وأدوم