[التوحيد]
  قبل ما عملت من عملها، معرفة ألهمها إياها، تفهم بها ما تأتي من برها وإثمها. وكذلك الفواحش كلها والنفس لما يفعل منها منكره، وكذلك إذا اتَّقَتْ وبَرَّتْ فقد ألهمت النفس وعرفت الأعمال الصالحة البرة.
  وفيما ذكر الله سبحانه من النهي في القرءان، عن المنكر والفحشاء والعصيان، ما أغنى وكفى عن تفسيرنا له بالبيان.
  وسأعود يا بني إن شاء الله إلى ذكر جُمُل أوصيكم بما أوصى الله به فيها من الطاعة، وفعلُكم لها وأَثَرَتُكم إياها هي الغنائم الكبرى في الدنيا، وبها النجاة عند الله والظفر بثواب الله وحسن جزائه في الدار الأخرى.
  وسأذكر لكم يا بني من ذ لك إن شاء الله جُملا مختصرة، إن عملتم بها رجوت أن يكون فيها نجاتكم عند المعاد إلى الله في الدار الآخرة.
[التوحيد]
  فأول - إن شاء الله - ذلك ذكر بارئكم وخالقكم وربكم، والفكرة في وحدانيته وجلاله وعظمته، وأن لا تتوهموه مشبها لشيء من خلقه وبريته، ولا مثلا ولا شيئا كالأشياء مشاكلا لشيء مما خلق في أرضه وسماواته. وأن تعلموا إذا فكرتم فجالت بكم الفِكر في جميع ما يدرك العقل والحواس، ويحيط به مما ظهر أو غاب أفهام الأولين والآخرين من الناس، من كل حيوان حي، من ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو شمس منيرة، أو نور من الأنوار مضي، أو معظَّم مشرق مستحسن بهيِّ، أرضيا كان ذلك أو سماويا، وتحول به في قلوبكم فكرة، أو تهموه في دنيا أو آخرة، أن تعلموا أن ربكم وإلهكم وصانعكم وصانع كل شيء خلاف لهذا كله، وأنه غير مشبه لشيء من الأشياء كلها التي خلق في سماواته وأرضه. وأن حقيقة الإيمان به أنه هو الله الذي هو خلاف الأشياء كلها، لا يشاكله ولا يشابهه شيء مما في السماوات العلى ولا مما في أرضه وسفلها.