مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[خطر التقليد]

صفحة 94 - الجزء 1

  الذي في قلبه، ولا تعلم بالسبب الذي أحزنه، وتستدل بالشر الذي في وجهه على سرور قلبه، ولا تعلم السبب الذي أسرَّه، والعلم الضروري أصل، والدليل على علم جعله الله للاكتساب علمٌ بدليل، والدليل الذي يلحقه الشك ويمكن أن يظن به معلوم بغيره، والأجر والثواب والحمد إنما جعل لما وقع عليه الظن والشك، وأقام على ما دله الدليل ولم يرجع، لأن الفاعل لا يزيل اليقين بالظنون، وما يعلمه الإنسان ضرورة فلا أجر له عليه. ألا ترى أن الملحدين والمنجمين والمتظننين الذين - كلهم - كفروا قد شاهدوا معنا السماوات والأرض، واستدلوا كما استدل الموحدون، وليس لهم أجر على النظر إلى ما رأته العيون، وإنما الأجر على ما أُدرك علمه بالقلوب، قال الله تعالى: {فَإِنَّها لا تَعمَى الأَبصارُ وَلكِن تَعمَى القُلوبُ الَّتي فِي الصُّدورِ}⁣[الحج: ٤٦]، فهذان طريقان للعلوم تعرفهما.

[خطر التقليد]

  وكن ممن ينظر بقلبه، ويعتبر بغيره، فإن الفرق بيننا وبين العقلاء من غيرنا، أنا تأملنا ونظرنا فاكتسبنا الدلالة علما نفعنا، وهم نظروا واتبعوا أهواءهم وقلدوا فهم كالبهائم، لا نظر لهم إلا بأعيانهم، ولا تعلم أين يُذهبُ بها حتى تقع فيه إما رعيا وإما علفا، وكذلك المقلد لا يزال غافلا حتى يموت، لم يعلم أنه كان مُضِّيعا، وكذلك قال الله تبارك تعالى لنبيه عليه وعلى آله السلام: {وَلا تَكُن مِنَ الغافِلينَ}⁣[الأعراف: ٢٠٥].