[أخلاق أهل المدن]
  أشربة اللبن الخالصة السائغة، في أطيب الساحات طيبا، وأطهرها طهارة، وأفسحها منظرة، وأصفاها هواء، وأقلها كدرا، لا نسمع خنا، ولا نرى فسقا ولا منكرا، ولا صوتا معلونا، كُبرا ولا وترا، مع قوم نختلط بهم أحسن قوم جوارا، وحرمهم فأشد الناس استتارا، من خير أبناء العرب وأهل البادية، أشكر قوم للمعروف شكرا، وآلفهم إلفا، وأحسنهم جوارا، ومن جاورهم فاعتزلهم، وكف الأذى والمكروه عنهم، كثر ثناؤهم عليه وشكرهم له، وسلم منهم، وكانوا له إذا أحسن قليلا إليهم، وبث أقل المعروف فيهم، كالخول والأعوان، إذا استكفاهم بعض الأمور كَفَوه، وإن استعانهم على نائبة تنوبه أعانوه.
[أخلاق أهل المدن]
  وأهل القرى يا بني وسفساف من في المدن من سكانها كلهم تجارهم وصناعهم وغيرهم، وكذلك من اختلط بالأسواق والقرى من العرب وجاورهم، فهؤلاء كلهم ليسوا بذوي حرية ولا ذمام، ولا يتخلقون بخلق من أخلاق الكرام، ولا يوفون بموعد وعدوه، ولا يوجدون حق الجوار لمن جاوروه، وإن استعانهم جارهم على نائبة لم يعينوه، وإن وعدوه وعدا أخلفوه، وإن قالوا له قولا لم يَصْدقوه، وكلما كان عليهم فيه أدنى كلفة وأقلها لم يكتلفوه، وليس للجار عندهم غير الخداع له والمنافقة، فإنهم إذا لقوه تملقوه، وإن استرفقهم بسلف أو رفق لم يرفقوه، وكذلك كل من اختلط بالقرى والأسواق من العرب، فهو في اللوم ودقة النظر وسوء الأدب كأهل القرى والأسواق، يتخلقون بأخلاقهم، ويفسدون بفسادهم.
  فالبعد يا بني عن أهل القرى والمدن لكم ولمن معكم خير من قربهم، وأسلم لكم في دينكم، وفيما بين ربكم وبينكم، وليست العزلة عن المواضع التي تجمع