مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[التوبة من حقوق الناس]

صفحة 40 - الجزء 1

[التوبة من حقوق الناس]

  فكل مَن ظلمه وآذاه من مسلم أو معاهد، فليستحلهم ويعتذر إليهم من ظلمه ويرضيهم، وكل ذنب كان بين العبد وبين الناس مسلمهم ومعاهدهم، من سرقة أو ربا في أموالهم، أو أخذ مال بغير حق في حياته، أو غصب، أو إدخال ضرر عليهم في الأبدان، كالقتل والجراحات والضرر الشديد. فالتوبة أن يرد المال إلى أهله حيث كانوا، إن قدر على ذلك وكان له مال، فإن لم يكن له مال جعله دينا عليه، وعزم أن يرده إلى أهله، أو على ورثتهم إن كان أهله ماتوا، والندم على ما أخذه، ويستغفر الله منه، ويعطي الله من نفسه ألا يعود إلى مثل ذلك أبدا.

  ولا تجزيه التوبة من الأخذ إذا كان حابسا للرد حتى يرد ما أخذه، فإن استوهبه كان ذلك حلالا بعد الإقرار به على أجمل الوجوه، وإن صالحوه فأخذوا بعضا وتركوا بعضا على غير قَسْرٍ أو إكراه لهم كان ذلك جائزا.

  فإن لم يعرف أصحاب المال الذين أخذ مالهم، وأيس أن يعرفهم أو يعرف ورثتهم، تصدَّق بمقدار ما أخذ منهم على المساكين، عن أصحاب المال الذين غصب أو سرق، فإن جاءوا بعد ذلك إليه، وأخبرهم أنه قد تصدَّق بذلك عنهم، فإن رضوا لم يكن عليه شيء، وإن أرادوا حقهم لزمه أن يرده عليهم إذا قدر عليه، وكان ذلك صدقة له يؤجر عليها، وإن كان محتاجا وأنفقه على نفسه كانت توبته عند الله مقبولة، وكان المال لازما له متى يجد ويمكنه قضاؤه فيقضيه، وإن كان الذين أخذ أموالهم نائين في البلدان، فلم يقدر على الخروج إليهم به، لعلة أو مرض أو فاقة حائلة بينه وبين ذلك،