مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[البدا]

صفحة 106 - الجزء 1

  فليس لليهود أن يقولوا: إن الله سبحانه إذا منع من إمساك السبت اليوم والصلاة إلى بيت المقدس، أنه قد بَدَا له، ونحن وإياهم لا نجوّز على الله سبحانه البَدَا، فنحتاج أن نعرف البدا ما هو.

  فالبَدَا: أن يأمر الآمر بالشيء ثم ينهى عنه، ثم لم ينفذ، فيعلم أنه قد بَدَا له، لأن من كان كذلك هو من البشر لا يعلم الغيب، فإنما يَبَُدو له رأي ثم يعقب الرأي فيه، فيراه خطأ فَيَبدُو له، وما جرى هذا المجرى، فلا يجوز على الله ø، وما أمر الله سبحانه من إمساك السبت والصلاة إلى بيت المقدس فقد مضى ونفذ، واتُّبِع السنين والدهور، ثم جاء رسول صادق فقال: لا تمسكوا مثله، وليس الذي مضى هو الذي أتى فهو مثله، فعلمنا أن هذا ليس هو بَدَا، إنما هو مصلحة، كرجل قيل له: كُل رغيفا، فلما أكله قيل له: لا تأكل الآخر، فالذي نهاه عنه غير الذي أمر به، وكذلك من قيل له: حج العام، فحج ثم قيل ل هـ في العام الآتي: لا تحج، فالأمر بما مضى غير النهي فيما أتى، فعلمنا أن ذلك ليس ببدا.

  وجميع ما يخالفنا فيه اليهود ثلاث: المعجز الذي قدمنا، وصفة الأنبياء، وقد أبطلنا قولهم، والبدا فهو ما قلنا، فليس نسخ الشرائع بدا، إنما هو مصلحة، فمتى أفسدنا عليهم هذين الوجهين التجأوا إلى أ ن يقولوا: إنا رُوينا عن موسى أنه قال: «لا تتبعوا مَن بعدي أحدا»، وهذا كذب، لأن الذي أوجب صدقَ موسى - حتى قُبِل منه - المعجز، وقد أريناهم أن المعجز صح لعيسى ومحمد @، لأن نبينا الصادق # قد أخبرنا أن موسى وعيسى قد أمَرَا قومهما باتباع نبينا محمد صلى الله عليه وآله جميعا، وبَشَرَّا أنه ذكره الله في كتبهما، فلزمهم صحة ما قلناه، وبطل ما أدعوه من الوجوه. فإن أسلموا سَلِموا وإلا هلكوا، ولا يبعد الله إلا من ظلم.