مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الامتحان بالصبر والشدة

صفحة 143 - الجزء 1

باب الامتحان بالصبر والشدة

  فعليهم الصبر على ما امتحنهم من ذلك، والرضا بما اختار لهم على الرضا منهم، والسرور بما خصوا به من فضله، والدرجة التي أعطاهم من كراماته، أن منَّ عليهم بدرجة الأنبياء والصديقين قبلهم، فنظر لهم فأباد عنهم الكثرة التي هي امتحان وفتنة، ودرجة الأسفلين من خلقه الذين خلى بينهم وبين ما اختاروا من سعة الدنيا اختيارا وبلوى ليفتنهم فيه، أي: يمتحنهم فيه، كما قال الله تعالى لنبيه #: {وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى ما مَتَّعنا بِهِ أَزواجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَياةِ الدُّنيا لِنَفتِنَهُم فيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقى}⁣[طه: ١٣١]، وهذا المعنى بعينيه روى عن بعض سلفنا أنه قال: «نعمة الله علي فيما زوى عني من الدنيا، أعظم عندي مما أعطاني منها».

  فيجب على أهل المعرفة والعبودية له أن يعرفوا فضل ما أنعم به عليهم فيما زواه عنهم من فضول الدنيا، فيشكرونه على نعمه، ويتبذلون له بحسن التواضع إليه في طلب المزيد من ذلك، فأكرمهم ورفع أقدارهم عن رجس الدنيا وفضولها، وأعناهم بفضله وإحسانه، فهم أحرار كرام بررة أعزاء في الدنيا والآخرة، فإذا استعمل أهل المعرفة بالله هذا العلم في هذه المواطن أورثهم ذلك الحب لله، واستجلاب الزيادة من الصبر بالحنين إلى الله، في تمام النعمة عليهم، وأن لا يسلبهم ما مَنَّ به عليهم، فحينئذ عرفوا شكر النعم فطابت لهم الحيوة الدنيا والنعيم بالعبادة، إذا رفضوا كل قاطع دونها من مباح الدنيا وغيره، فأولئك حزب الله في الدنيا والآخرة، وحزب الله هم المفلحون.