مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[اعتزال المدن]

صفحة 370 - الجزء 1

  عظيم ذنبهم في المجاورة والمساكنة، وترك الانتقال عن أهل المعصية والمجاهرة: {أَلَم تَكُن أَرضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِروا فيها}⁣[النساء: ٩٧].

  ثم أخبر الله سبحانه عن هذه الطائفة الذين خاطبهم عندما توفتهم رسله من الملائكة، فذكر تعالى سخطه عليهم وحكمه فيهم، فقال: {فَأُولئِكَ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَساءَت مَصيرًا}⁣[النساء: ٩٧]، فلو لم ينزل الله نهيا عن مساكنة أهل المعصية لكان ينبغي لمن عقل أن يفر ويهرب بنفسه وولده وحرمه من مجامع الناس وقراهم ومدنهم، لظهور فساد الناس في المدن والقرى، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، وهم أظهر الناس فسقا، وألأمهم لؤما، وأدقهم أخلاقا.

  فالكرم والكريم يا بني في المدن والقرى عند أكثر أهلها غير مرضي ولا ممدوح، وذوا الدنآءة والبخل واللوم عندهم مقبول مرضي غير معيب ولا مفضوح، وما بالقرى والمدن في الكبار والصغار من منكرات المجنون والشرور والفحشاء، أكبر وأعم وأظهر من أن يؤتى له على عدد وإحصاء، مع ما في المدن والقرى يا بني من فساد اللغة والكلام واللسان، واختلاط غثاء الناس مع الحمران والسودان، وتبرج الحرم، لفساد من بالقرى من العرب وسفساف العجم، فالغيرة من أهل المدن أو أكثرهم على الحرم متروكة مطروحة، والحرم بتبرجها في الأسواق والطرق مفضوحة.

  فأف يا بني ثم أف لمن كان ذا حرية وكرم وأنف سكن في هذا الدهر المدن والقرى، ما دامت على مثل ما هي عليه من ذكرهم هذا من المنكرات التي ذكرنا فيها والفحشاء، وما غلب على أهلها الكبار منهم والصغار والنساء، من الخنا والفساد واللوم والزنا، والدناءة والنذلات والردى.

  فأين أنتم يا بني عن طاعة ربكم؟! فيما أمركم به ودلَّكم عليه من المهاجرة وترك المجاورة لمن يسخطه ويعصيه؟! والامتثال لمسالك أهل الشرف من