مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[طبيعة البادية وأخلاق أهلها]

صفحة 372 - الجزء 1

  ثم انتقل إلى فرع آخر من جبل يسمى: الأشعر من جبال جهينة، بعد أن أقام عمرا طويلا وسنين كثيرة في وادي مزينة، فكان منه بجبل وفرع يدعا: فرع السور حتى توفي فيه رحمة الله عليه وقبض.

  وكان قد عاهد الله وأعطاه من نفسه أن لا يسكن هو ولا أحد يطيعه من ولده ما بقي حيا مجامع الناس بين المدن والقرى، لما ذكرت لكم يا بني قبل هذا من قولي وفسرت، مما تجمع القرى والمداين من أهل الفسق والفواحش والمنكر والردى، وما في أهل المدن والقرى والمداين من أهل الفسق والفواحش من الجهل والمعاندة في الدين، وما بها وما في أهلها من الفساد والمفسدين، وأهل المجاهرة بكبائر المعاصي والظلم المعتدين.

[طبيعة البادية وأخلاق أهلها]

  فجعل الله الروح والراحة في بدنه، وأعقبه سكنى البادية واعتزالُ الناس العفافَ والصلاح في أهله وولده، فأقام في البادية والجبال قبل وفاته نحوا من أربعين سنة، لم يخل فيها قط من لطائف الله وصنعه وسعة رزقه، مع البعد والتطهر عن شرار خلقه، في أطيب مساكن من تلك الأودية الطاهرة، والجبال والبوادي الصحيحة البريئة من الوخامة التي تكون في المدن من الأرياح المنتنة والسكك القذرة والأزقة والطرق التي فيها غير طاهرة، وأبحزة الكراييس والنجاسات المفسدة للجو والهواء، المورثة للأمراض والوباء.

  بل كنا معه | مع أطيب الغذاء مما يكون في البادية في أطيب المساكن والمحَالَ، من أودية البوادي والفروع التي فيها من الجبال، نتنسم صافي الهواء، ونشرب أكثر مدة دهرنا ماء الغمام والسماء، وننال فيها بلطف الله طيب الغذاء، مما يكون في البادية من سمين لحوم الماشية، وما جعل الله في المواشي من