(ومن سورة حم عسق)
  للموت عن نفسه غير دافع، وأنه ليس بقادر على عودة إلى دنياه، ولا لاقيا من يحب فيها ولا راجعاً، قال الله تبارك وتعالى: {أَنَّهُم إِلَيهِم لا يَرجِعونَ}.
  ثم أخبر سبحانه أن هؤلاء المنذَرين، ومن مات من القرون الماضين، ومن يموت من القرون المتأخرين، كلٌ جميع لديه محضرون.
  و {لِما} هاهنا تمام للبلاغة. وصلة في اللسان العربي للكلام، وإبلاغ في التنبيه من الله والإفهام، يعني سبحانه بإحضار البعث يوم القيامة لمن مات أولاً وآخراً من الكبار والصغار - ثم قال لا إله إلا هو - لما يحيى من موات الأرض وبعثة الموتى ذاكراً وعلى إحيائهم منبها، ومحتجا على العباد بأحياء الأرض الميتة وممثلاً لذلك بنشرهم ومشبهاً: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرضُ المَيتَةُ أَحيَيناها وَأَخرَجنا مِنها حَبًّا فَمِنهُ يَأكُلونَ}. وأي أعجوبة أعجب، أو مثل في أحياء الله الموتى أقرب؟! من إحياء الأرض بالمطر بعد مواتها، ويجد من خضرتها بعد يبس أشجارها، وارفتاتها وخمودها واقشعرارها، ثم تعود الأرض عند حياتها إلى ما كانت عليه قبل موتها من بهجتها واخضرارها، وخروج حبها وثمارها، ونبات مراعيها وأشجارها.
  فمن أحمق أو أجهل أو أغفل أو أضل ممن جهل قدرة الله القدير المحمود، على أحياء الميت البالي المفقود؟! وهو يرى كيف يحيي الله الأرض بعد الموت والبيس والخمود! والمحمود فهو الله الخالق الإنسان والمنشئ لبدنه بعد إذ لم يكن، وكذلك فهو القادر على رد ما بلي بالموت من أعضاء البدن، وهو سبحانه الذي أخرج الحب منه ليأكله، وكلما نشأ من نعمة فيه كانت وهي له، وهو - كما قال لا إله إلا هو - الجاعل في الأرض جنات النخيل والأعناب والمفجر فيها للعيون، وبه كان جميع ما أخرجت من الثمار أو يكون، فهو الذي أنعم بذلك كله علينا ورَزَقَه، وهيأه وأخرجه لنا وخلقه، لولاه سبحانه لم نقدر عليه، ولم يكن لنا ولا لمحتال حيلة فيه.