(ومن سورة حم عسق)
  للعصاة الكفرة إذ هم لنعمه كافرون بما أعطى الأبرار، من النعيم والنجاة من النار: {هُم وَأَزواجُهُم في ظِلالٍ عَلَى الأَرائِكِ مُتَّكِئونَ}. فخبَّر سبحانه عن شغلهم الذي شغلهم، والشغل المذكور فيما ذكر الله من هذه الصفة، كلمة تقولها العرب عند الخلوة من الرجل لجماع زوجته معروفة، فأخبر تبارك وتعالى عن إقبال أهل الجنة آمنين على التي لا كنساء الدنيا بهن وبخلوتهن مشتغلين، عاكفين عليهن في الأرائك متكئون، وما ذكر الله سبحانه هاهنا من الظلال، فهي فيما نرى: القباب، ونحوها من الحجاب، إذ فضل هذه الضلال المذكورة، على ظلال الدنيا على قدر فضل الآخرة، لأن فضل نعيم الجنة في الكمال، فضل فائت لنعيم الدنيا في كل حال، لا يخطر اليوم لعظمه وكبره بالبال، كيف كُنهُ مبلغه، إلا أنه قد يعلم مَن فَهِم صغر الدنيا عند الله ونقصها، أن الله سبحانه لم يُفضل الجنة حين ذكرها معظمة لقدرها، وواصفا لكبر أمرها، إلا وهي التي لا يلحق شيء من نعيم الدنيا بها.
  ثم أخبر سبحانه عما لأصحاب الجنة فيها من الفواكة المفكهة المعجبة، فقال: {لَهُم فيها فاكِهَةٌ وَلَهُم ما يَدَّعونَ}. وتأويل {ما يَدعونَ}. هاهنا - والله أعلم - هو ما يدعون به ويتمنون.
  ثم ذكرجل ثناؤه ما لأهل الجنة من السلامة، إذ هي عليهم من أعظم النعم، عند تسليم الله لهم مما يعاينون يوم القيامة من أهوال النقم، ولعظم السلامة يومئذ وقدرها، ما ذكر الله أنها من قوله في الجنة عند ذكرها، فقال: {سَلامٌ قَولًا مِن رَبٍّ رَحيمٍ}. فجعل تحيته لهم بالسلامة التي هي السلام من أعظم التكريم، لأن السلام في نفسه إذا قيل في الدنيا والآخرة، فإنما معناه السلامة بغير ما شك ولا مرية، سواء قيل: السلام عليكم أو قيل: السلامة.